كانت لحظات مليئة بالثورية والروح الوطنية والقومية العربية والوحدة الوطنية، تربينا عليها، ونقشت فينا قيمها ومبادئها وثقافتها وروحها النبيلة بالوطنية والقومية، عشنا مثقلين بالحلم حتى شخنا وشاخ الزمن وتغيرت معالمه، عادوا وعدنا لنصحح مسار ثورتنا، وما زالت الثورة مستمرة.
أهمية الحدث فيما يتركه من أثر في الإنسان والتاريخ والحضارة، في الوعي والثقافة، عظمة أكتوبر فيما تحمله من قيم ومبادئ وأهداف نبيلة، نحن جيل عاش فصولها، طفلا شاهد لمسرح عمليتها، تأثر وتفاعل مع أحداثها، صيغت أفكاره وتكونت شخصيته، حمل همها، ظل حالما بالمستقبل، متشوقا بالغد المشرق، جيلا لازالت خطابات الزعيم جمال عبد الناصر ترن في أذانه، وحينما دعا من تعز (على بريطانيا أن تأخذ عصاها وترحل من عدن).
كانت لحظات مليئة بالثورية والروح الوطنية والقومية العربية والوحدة الوطنية، تربينا عليها، ونقشت فينا قيمها ومبادئها وثقافتها وروحها النبيلة بالوطنية والقومية، عشنا مثقلين بالحلم حتى شخنا وشاخ الزمن وتغيرت معالمه، عادوا وعدنا لنصحح مسار ثورتنا، وما زالت الثورة مستمرة.
مرحى بالذكرى الرابعة بعد الخمسين لثورة 14 أكتوبر المجيدة، والوطن جرح غائر بحاجة للتعافي، ومجتمع مشروخ ومقهور بائس مظلوم بحاجة لإنصاف ذكرى عطرة لثورة حررت الجنوب اليمني من الاستعمار البريطاني والحكم الانجلو سلاطيني، ووحدت 22 سلطنة ومشيخة وإمارة في دولة اليمن الجنوبية الشعبية ثم الديمقراطية، لها انجازاتها وإخفاقاتها، أضرها التعصب، ولم تخلو من قبح السياسة وظلم من يعارضها بحجة صون مرحلة الثورة الوطنية.
الاحتفال ليس صخبا بل لإعادة مشهد الثورة وتأكيد على مطالبها، وترسيخها قيما وأهدافاً، إعادة الاعتبار، والتحديات جسام، كهنوت الماضي يبعث في الحاضر يتمحور مع المراحل والمنعطفات التاريخية، كأصنام ومشاريع نصبت العداء للثورة وتحيك حولها المؤامرات، ولا زال النضال وتقديم التضحيات والغالي والنفيس من شرفاء وأحرار الوطن، انتفضت الروح الثورية في فبراير لتصحيح مسار سبتمبر وأكتوبر، وعاد الثوار للساحات، وعاد أعداؤهم للمؤامرات، عدنا لنستعيد الجمهورية، وعادوا ليستعيدوا الإمامة والسلطنات والمشيخات، صامدون في مبادئنا وقيمنا، مهما قتلوا وشردوا واستباحوا فالأرض ولادة والوطن غني برجاله الأوفياء، لن نسمح بان تكون ثورتنا العظيمة ذكرى شيئا آخر!
واقعنا اليوم بما فيه من بؤس وخذلان وألم، هو مخاض بين مراهقين سياسيين، وبين نضوج الثورة، بين الشطح والتهور والماضي المسكون في النفس العقيمة والمخيم على العقل المريض، وبين تجاوز وخلع ذلك الماضي اللعين من على كاهلنا، بين التحرر وتحطيم قيوده، والترفع عن صغائر الأمور للبحث في القضايا الوطنية الكبرى لمخارج عملية وسلسة لنواكب تطورات العصر والمرحلة، كل هذه السنوات العجاف هي مخاض فعل ثوري مستمر حتى يتحقق الهدف، تمر بمراحل تصل لقمة النشوة الثورية، وتنتكس في لحظة، مرحلة عشناها وسمعنا طبول الحرب فيها، وعشنا نشوة النصر للمنتصر، وألم الهزيمة للمهزوم، تمتع البعض في نعيم السلطة والثروة، وحرم البعض حتى من العيش على أرض الوطن، مات غريبا مغتربا، بسبب هيمنة العقلية الشمولية بفكرها الشمولي إلى اليوم، ما زال يقاوم ويبث أوهامه يصدقها المغفلون وسمومه يتجرعها الجهلة والمتخلفون، يدغدغ أحلامهم وطموحاتهم ويستثمر معاناتهم وغضبهم.
السؤال المحوري اليوم الذي يفترض أن ننكب في الإجابة علية، لماذا فشلنا في إرساء أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر وبناء دولة المواطنة، فشلنا في الديمقراطية، فشلنا في النهضة، ولازلنا نقبع في تاريخنا المشحون بالصراعات؟
إنه العقل الشمولي، الحامل للفكر الشمولي ووطأة الآخر، الذي يضع نفسه وصيا حاملا عنوة أعباء النيابة عن الآخر، مسئولية الاضطلاع بكل شي، مهووس بالأنا والأنانية الأمر الذي يبعده عن الفكر ويقربه أكثر لميدان العنف والقوة والاستبداد، خارج فضاء التسامح والشراكة، والاعتراف بالآخر، وتقبّله والتعايش معه.
الفكر الشمولي يجعل المثقف مشروع سلطوي، مكتفيا بذاته لا يحتاج أحد بل يعيش وهم الجميع في نقص وهو في كمال، وعلى الآخرين أن يذعنون له وسلطته الشمولية، عليهم أن يتشكلوا وفق فكرته المسبقة وإلا رماهم بالتصنيف المهين والتهم جزافا والتحريض والحشد، فيتحول لمستبد مثير للشفقة، ينجر لإثبات صحة ادعاءاته باسوأ وأبشع الوسائل القذرة المنتهكة حق الآخر، يمكن أن يفبرك قصص واتهامات وحكايات تبرهن حقيقة ما يدعي..
اليوم، نحن على شفا هاوية، بسبب هذا الفكر الذي يجرنا لمربع العنف، ويبعدنا عن مربع التوافق لوطن يستوعب الكل، يبعدنا عن المواطنة والديمقراطية والشراكة، عن المخرج السلس من أزماتنا ومحننا ومشكلاتنا، ليصنع أزمات ومشكلات وصراعات تجعله فكر سائدا ومتربع عرش العقول الضالة.
الثورة مستمرة وراسخة.. حتى تكتمل أهدافها ولن نحيد عنها قيد أنملة مهما كانت الظروف وشدة العواصف.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.