آراء ومواقف

الفساد لا حزب له

وديع عطا

من المظاهر الصحية التي أفرزتها ثورة التغيير الشبابية الشعبية السلمية 2011 أنها رفعت الغطاء عن كل شخصٍ وضع نفسه في موقع المسؤولية، بحيث صار عرضة للنقد والتعرية حدّ التجريح والإهانة أحياناً.

من المظاهر الصحية التي أفرزتها ثورة التغيير الشبابية الشعبية السلمية 2011 أنها رفعت الغطاء عن كل شخصٍ وضع نفسه في موقع المسؤولية، بحيث صار عرضة للنقد والتعرية حدّ التجريح والإهانة أحياناً.
نعم فهم البعض أن من الحرية الانتقاد بوقاحة، لكن بعض المسؤولين للأسف يستمرئ الفساد بقناعة وعن سبق إصرار، حتى كأن بعضهم يتمتع بمناعة اللامبالاة بالنصح والنقد، متصوراً أن الوظيفة حقٌ أسري يمكنه توزيعه وتوريثه أيضاً حتى أن هناك أسرٌ بعينها تعرف بالقضاة لأن اغلبهم محصورين وظيفياً على العمل القضائي والنيابة العامة من حارس المحكمة حتى رئيسها، حتى على مستوى الوزارات ثمة وكلاء وزارات مضى عليهم في المنصب أكثر من 20 سنة وربما أكثر.
بالتوازي عززت ثقافة تقاطع المصالح بين المسؤولين مبدأ تبادل التوظيف على قاعدة (وظف لي أوظف لك)، مرّر لي أمرر لك، وهي من أسوأ القواعد التي مرّغت بكرامة الوظيفة وأسقطت أخلاقياتها ومعاييرها كالاستحقاق العلمي والقانوني والكفائي.
بالنسبة لما حصل من ضوضاء حول طلب وزير الأوقاف (الاصلاحي) أحمد عطية توظيف ولده سكرتيراً له، فإن ما استحق الانتباه والاستغراب معاً هو لماذا من بين عشرات التوجيهات التي أصدرها بن دغر بتوظيف أبناء المسؤولين تم تسريب قرار توظيف ابن الوزير عطية فقط لا غير؟! ولماذا كتب بن دغر توجيه التوظيف مع تحديد الراتب، لماذا لم يفعل ذلك مع أبناء الوزراء المعينين برواتب أكثر من ذلك بأضعاف؟
مثلاً لماذا لم يتم تسريب قرارات توظيف عيال المخلافي وجباري وفتح والمقدشي وغيرهم من عاهات الشرعية الدنبوعية.
الاحتمال الممكن هو أن أحدهم في مكتب بن دغر يتعامل بانتقائية حقيرة في تسريب التوجيهات العائلية.
خلال أقل من 24 ساعة من تسريب القرار انهالت على الوزير (الاصلاحي) من الردح والإساءة واللوم أضعاف ما لم يلقاه غيره من الوزراء هوامير التعيينات العائلية الذين رموا بكل الانتقادات عرض الحائط. 
في السياق الأخلاقي للمسؤولية فقد فعل حَسَنَاً بالتراجع عن توظيف ولده، خطوةٌ في الاتجاه الصحيح وإن كانت موجعةً له كأبٍ لم يتهنّ ولده بفرحة الوظيفة.
كان شجاعاً عطية وهو يعلن إقالة ولده مع أنه كان بالإمكان تجاهل الانتقاد الشرس والزفّة السوداء التي تعرّض لها أسوة بغيره من الوزراء، وكان حصيفاً حين رمى الكرة في ملعب زملائه الوزراء بمطالبتهم باتخاذ خطواتٍ مماثلة.
أدرك عطية كمسؤول محترم أنه طالما وضع نفسه في موضع القدوة والمسؤولية عليه أن يتحمل تبعات ذلك.
وفي هذا السياق يحضرني قولٌ ينسبُ للفاروق عمر يقول: “من وضع نفسه موضع الاتهام فليعذر من أساء الظن به”.
التحدي الأخلاقي المنتظر هو أن يبادر بقية الوزراء -من هوامير التعيينات العائلية- بإقالة أولادهم وأقاربهم الذين تقلدوا وظائف يستحقها غيرهم من أبناء الكادحين الواقفين منذ سنين على رصيف البطالة منتظرين فرصة الوظيفة.
خلاصة ما أريد قوله إن  من الغبن والتجنّي اتهام حزب بعينه بالفساد، فلا يخلو أي حزب أو تيار من فاسدين ومفسدين، لأن الفساد لا حزب له، لكنه مرضٌ أخلاقي يستشري في ظل غياب الإدارة الأخلاقية للوظيفة، شبحٌ لا هيئة له يتمدد في الفراغ الناتج عن انعدام الرقابة القانونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى