علمتنا الحرب الفوضى والتواضع، جهلتنا بالقيم الزائدة التي كنا نتلبسها كأشياء مهمة لصناعة الجاه.
علمتنا الحرب الفوضى والتواضع، جهلتنا بالقيم الزائدة التي كنا نتلبسها كأشياء مهمة لصناعة الجاه.
قبل الحرب كان الرجل يحدثك عن تاريخ الجنبية التي يرتديها، كيف توارثها أجداده كابرًا عن كابر، إنها من الجنابي المقرّنة، رأسها الأنيق مصنوع من قرن وحيد القرن، ندخل في متاهة الغابة حيث اصطياد حيوان قابل للانقراض في القرن الإفريقي، ثم متاهة الطريق البري لتهريب القرن، ثم متاهة البحر.
ياللتاريخ المذّهب بمحاذاة صدر الرجل، وكأنها لُمعت من صفرة الشمس التي كومتها ملكتنا بلقيس تحت أعمدة المعبد.
كل ذلك وأزْيَد لإعلاء القيمة، مع أن السوق قد أمتلأ بالجنابي الصينية، إلا أن ذلك لم يمنع المتباهين بالحديث عن إرث الجدود، ليبتاهى أنصار جنابي الصينية ساخرين بجدهم “تشين شانغ عفاش الحميري”، هنا يجب أن نطرح ما يقوله العرب:
«ما كل مصقول الحديد يماني».
الثوب مكوي والوجه مدهون، رائحة العطر تسبق مقدم الرجل بكيلو وربع، ويجهد الرجل نفسه للحديث عن شؤون كبيرة، يتحاشى الحديث عن مشاكله، عن التهكم الذي تلذعه به زوجته:
«الهنجمة هنجمة والعشا بسباس».
إنه يتحدث عن السياسة، عن مشاكل الإقليم العالقة، عن الجنرالات، عن التركيبية البنيوية لأشياء يعلم الله ما هي، كلما اتسعت الدائرة بلسان الرجل تدرج منزلة في أعين الآخرين، هكذا يظن.
لم تكن الحرب في الحسبان.
وحين أتت وعاثت، ستجد الرجل الذي كان يلقي التحية برأس منتصب دون مدة اليد
الرجل صاحب الثوب المكوي والوجه المدهون
الرجل الذي سبق مجيئه، تضوع المسك الذي يتطيب به
ستلقاه مترجلًا، تنتشر منه رائحة الهموم التي عصفت ذهنه فشعشع العرق من كل مسامات جسمه، غبرة على الوجه، والثوب كثير الأعطاف مبقع بالرذاذ الأخضر، هي عطسة القات إن لم تكن تعرف، الثوب مطوي تحت الحزام، كما لو أن هناك من نتف ريش الطاووس المسبلة..
على رأس الرجل شال يغطي بها نصف وجهه.
ستلقاه، وسيمد يده مصافحًا، ثم يسألك:
«ما حصلكش حماري»
هكذا هوت الحرب بالناس، من الأحاديث الكبيرة، إلى البحث عن الحمار الضائع، أحرجتُ للأمانة، إذ مازالت الجنبية الثمينة تلف خصره، سيبرق “الجنيه الذهب” من رأس قرن وحيد القرن، القرون خلقت لتبادل الاستشعارات المختلفة داخل الفصيلة الواحدة، قد ينتحر حفيد وحيد القرن التي صنعت جنبية الرجل من قرن جده، حين يستشعر جملة الرجل:
«ما حصلكش حماري»
*
على المستوى الخاص، علمتنا الحرب الكثير، وعلى المستوى العام أيضًا، على امتداد سنوات حكم المخلوع، ظل اليمني يظن أن القبيلة شرسة، وتحديدًا القبيلة التي ينتمي إليها الزعيم المخلوع. الحكم له، المصلحة لقبيلته فالأقرب فالأقرب، حتى معارضيه من شيوخ القبيلة نفسها، اتسموا بذات الصلابة، بالقوة التي لا تقهر، حتى القبيلة نفسها كانت تؤمن بذلك. المقصود هنا الشق القبلي السيء وحسب، بغض الطرف عن نبالة القبيلة في كثير من الجوانب الاجتماعية.
لقد دمرت الحرب كل شيء، جاءت مليشيا الحوثي وتحالفت مع المخلوع..
في البدء عرفنا أن الجزء المعارض داخل القبيلة، هش، كذبة.
ثم عرفنا أن كل ما تم صناعته من هيلمان حول القبيلة، خاصة المخلوع، محض إشاعات للحفاظ على عرش المجد.
الآن علي عبدالله صالح محروم من زيارة مخيم عزاء، الراقص فوق رؤوس الثعابين لا يستطيع أن يرفع رأسه، وهو الرجل الذي اجترح وهمًا ليتباهى به على اليمنيين، فقال أن جده “عفاش الحميري”، ورث عنه حصنًا وجنبية، ليلقى نفسه مستفسرًا عبده الجندي:
«ما حصلكش حماري»!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.