لم تكن تعادُ تلك الأصوات الغريبة وتلك الحركات المثيرة للقلق والخوف، ولم يكنْ ببالها أنها ستغادرُ ذلك المنزل الجميل ذاتَ يوم.. المنزل الذي تطل من شرفته تعانق خيوط الضوءالجميل.. إنها تُطلُ كلَ يومٍ من تلك النافذة الواسعة المطلة على شارع ضيقٍ لايتجاوز عرضه المترين، والمقابلة لنافذة صديقتها من الجهة الأخرى والمنزل المجاو، إذ إن أمها تتركها كل يومٍ في تلك النافذة وتسدلُ رجليها من بين حماياته اوتعودُ لمواصلة عملها المنزلي كما تبدأ هي بالحديث الشيق مع صديقتها التي تبادلها الحديث من النافذة المقابلة.
لم تكن تعادُ تلك الأصوات الغريبة وتلك الحركات المثيرة للقلق والخوف، ولم يكنْ ببالها أنها ستغادرُ ذلك المنزل الجميل ذاتَ يوم.. المنزل الذي تطل من شرفته تعانق خيوط الضوءالجميل.. إنها تُطلُ كلَ يومٍ من تلك النافذة الواسعة المطلة على شارع ضيقٍ لايتجاوز عرضه المترين، والمقابلة لنافذة صديقتها من الجهة الأخرى والمنزل المجاو، إذ إن أمها تتركها كل يومٍ في تلك النافذة وتسدلُ رجليها من بين حماياته اوتعودُ لمواصلة عملها المنزلي كما تبدأ هي بالحديث الشيق مع صديقتها التي تبادلها الحديث من النافذة المقابلة.
كان لحديثهما وقعٌ على القلوب.. إنه يسربُ الأمل إلى النفوس رغم الواقع المحبط للجميع.
وكان لصوتيهما النعومي صدىً كبير، ولضحكاتهما أثر على الحارة كلها حيث إن المارةَ بالشارع يسمعون صوتيهما فيلتفتون للأعلى ليروا البراءة ترفرف كما ترفرف أرجلهما وقت الضحك وتلك الإشارات الملقاة من الواحدة للأخرى.
الناسُ سعداء جددا بهما وعندً رؤيتمها يتيقنون جيداً أن الأملَ قادمٌ وإنه لقادمٌ من الأعلى.
يارب أنزل سكينتك على عبادك المظلومين.
شهدت الحارة احتداماً للصراع ومروراً متواصل لحاملي الأسلحة.. هذا الأمر الذي أقلق الجميع وحولهم من حالٍ إلى أخرى.
نسبة التفاؤل قد انخفضت للغاية إلا من الصغيرتين فما زالتا في تلك الممارسة التي اعتادتا عليها -منذ بدء الحرب بعد مامنعتهما الأمان من الخروج إلى الشارع خوفاً عليهما- مع بعض التغير.. فالصغيرتان تصمتان تماماً عند مرور المسلحين ويكتفين بالإشارة فقط.
لم تكن تتوقع أن يؤولَ بهم الواقع إلى هذا المصير .. أبوها أسماها(بشرى) إنه يتعشم الخير فيها وفي المستقبل برفقتها منذ ميلادها.
صحت الجميلةُ في منتصف ليلٍ لكأنه في عز الشتاء لقسوة البرد فيه كانت تسمع صوت صفير الرياح بشكلٍ مؤذٍ لها ..كانت الرياح تنخر عظمها لشدة ثلوجتها وللألم المصاحب لها.
أرادت أن تتحرك ولم تستطع.. لقد بات الألم يغلبها.. أدارت يدها السالمة لتبحث عما تغطي به جسدها وهي تقول : ماما وأحست يداً تلفها برفق من جانبها وصوت نحيب،كررت ” ماما” فإذا بصوت أبيها وهو ينشج : نعم ياصغيرتي!
أين أمي وبكت الطفلةُ قلقاً على أمها وخوفاً من الموقف والليل المخيف وتألما من جسدها
أين أمي؟
ذهبت يا حبيبتي ..لاتقلقي ستأتي ..تسأل الصغيرة لماذا نحن هنا أين وسادتي؟
بكى الأبُ بصوت كبير لقد ذهب كلُ شيء يابشرى ، ذهبت أمك.. ذهب المنزل!
ماذا جرى ياوالدي تقول الصغيرة بخوف فهي لأول مرة في حياتها تسمع بكاء رجلٍ -تسمع بكاء أبيها- أين أمي تكرر بنفس اللهفة: أين أمي؟
لم تعلم البشرى أن أمها ماتت إثر انهدام المزل بنيران الحرب، ولم تعلم أن أباها وجدها هي ملقاةً تحت حجرةٍ من أحجار منزلها وأن تلك الحجرة قد أفقدتها الكل!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.