اخترنا لكمكتابات خاصة

حربٌ ثلاثية في اليمن

عدنان هاشم

في حال تأججت الانقسامات ووصلت إلى حروب داخل كل تحالف من التحالفين، فسنكون أمام مشهد أكثر تعقيداً للاستقرار والأمن، ودخول أكثر من فاعل دولي ولن تستفيد من ذلك إلا إيران وحدها.

انفجر تحالف الحوثي/صالح بالخلافات والتباينات، في وقت يشجع مؤيدين للحكومة الشرعية باقتتال بين العدوين اللدودين في (الماضي) والحليفان (حتى الآن)، بالمقابل من المتوقع أنَّ تنفجر تباينات بين حلفاء التحالف العربي الحكومة الشرعية/المطالبون بالانفصال، والسعودية/الإمارات/الحكومة الشرعية.
تجزؤ التحالفات مخيف ومقلق، فالانقسامات البينية في كل تحالف لا يعني في أي حال انتصار أحد الطرفين، بقدر ما يعني خلق نوع جديد من الحروب. أشبه بـ”انقسام خلوي” في الخلايا الجسدية لكن الخلايا تتقاتل في بينها إذا فرضنا أنَّ الجسد هي اليمن.
في 24أغسطس (آب) تفجرت الخلافات بين (الحوثي/صالح)، رغم أنَّ صالح نفي وجودها في وقت لاحق، تحولت بعد يومين إلى اشتباكات في شارع حدة وسط العاصمة أدت إلى مقتل أحد مساعدي صالح (خالد الرضي) وثلاثة من الحوثيين، أصدر كل طرف بياناته المتوعدة وفُتحت سيول من التهديد بألسنة الإعلام والقيادات الميدانية والسياسية على شبكات التواصل. وهي نهاية متوقعة لتحالف لم يكن متوقعاً حتى سيطر على صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م.
لكن ليست هذه كل الحكاية. ماذا لو تحارب الحوثيون وصالح وسط صنعاء؟! إنها كارثة إنسانية ولا تعني بأي حال من الأحوال التوصل إلى اتفاق سلام، كما تأمل “السعودية”، سيتقاتلون فيما بينهم وسط العاصمة ويقاتلون القوات الحكومية والتحالف العربي في بقية الجبهات. ستعتبر صنعاء جبهة واحدة من أكثر 25 جبهة قتال في أنحاء الجمهورية. أما إذا تمكن الحوثيين من الاستحواذ على أنصار صالح وبقية القوة الموالية له، فهذا يعني أنَّ الجميع أمام طرف واحد، هو الجماعة المسلحة نفسها المدعومة من إيران وفي ظل الصواريخ التي يتمدد مدى وصولها داخل الأراضي السعودية سيعقد المسألة أكثر، إذ أنَّ الحوثيين الذين يجيدون لغة القتال لا يجيدون التفاوض أو المشاورات، وقد كان الفريق السياسي الموالي لـ”صالح” هو العنصر الهجين الذي استفاد منه الحوثيين سياسياً فيما اكتفى “صالح” بالاعتماد على عناصر الحوثيين للقتال، وسنكون في ذات الوقت أمام معضلة حقيقية تطيل أمد الحرب.
أما إذا استجابت الرياض والحكومة المعترف بها دولياً لضغوط أبوظبي وعقد تحالف مع “صالح”، إذا فرضنا أنَّ الرجل ما يزال يمتلك قوة فعلية، لإعادة نظام ما قبل 2011م، فنحن أمام تأجيل للحرب وسط حرب أخرى داخل تحالف (الحوثي/صالح)، ومظالم تضاف إلى مظالم أخرى فوق المظالم التي جاءت أثناء 2011م أو بعدها أو بعد عملية عاصفة الحزم مارس (آذار)2015. لذلك فإن اتفاقاً من هذا النوع سيضع الحكومة والتحالف العربية أمام عقدتين: هل صالح سيدعم الحكومة الشرعية فعلاً (أزمة ثقة)؟ والثانية: صالح ونجله أحمد ضمن قائمة العقوبات هل ستسعى السعودية للانقلاب على قرار بذلت كل طاقتها الدبلوماسية من أجل نقضه؟ ونقض القرار يعني استهداف للحكومة الشرعية إذ أنه سينقض شرعية الحكومة، ومعنى ذلك نقض شرعية الحرب ضد الحوثيين، إذ أنَّ التحالف العربي تدخل بناءً على طلب من الحكومة الشرعية!
ما يساعد على بقاء تحالف الحوثيين “الهش” مع صالح هو اليقين من أنَّ حالة الجبهة الأخرى تتمزق بذات الطريقة، وتؤجل عملية عسكرية يمكن أنَّ تؤسس لإنهاء الحرب ضد الحوثيين، إذ أنَّ التحالف العربي منقسمٌ بالتأكيد من داخله بشكل أفقي ورأسي، فأبوظبي انحرفت عن أهداف العملية التي تدعم عبدربه منصور هادي إلى تحقيق أهدافها الخاصة وأنشأت ميليشيات (شبه عسكرية) -حسب تقرير لجنة الخبراء لمجلس الأمن- وأسست سجوناً سرية في المحافظات المحررة وتدعم تلك الميليشيات العسكرية خارج إطار الدولة، والذي أدى إلى هشاشة “الشرعية” ونفوذها في المناطق الخاضعة لسيطرتها وحسب تحليل لمجلة الإيكونميست البريطانية “أغسطس (آب)” فإن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً يحشد القبائل من أجل قتال القوات الحكومية وتحقيق “الانفصال”.
وهنا حربٌ ثلاثية أخرى ضمن انقسام، أفقي، بين القوات الحكومية والميليشيا (شبه العسكرية) المدعومة من أبوظبي واجهتها السياسة (المجلس الانتقالي الجنوبي) التي أعلنت في يوليو (تموز) عن سطلتها كسلطة موازية للحكومة اليمنية في المحافظات الجنوبية. ففي وقت تقاتل القوات الحكومية تحالف الحوثي/صالح ستقاتل المتمردين الانفصاليين لبسط نفوذها في المحافظات المحررة.
في نفس الوقت هناك انقسام رأسي، تدعم الرياض عبدربه منصور هادي وستبقى داعمة له ولبقاءه في منصبه رئيساً للبلاد -بصفته شرعياً-، تبدو أبوظبي لا تدعم هذه الشرعية فما تزال غاضبة للغاية من إقالة خالد بحاح (نائب الرئيس ورئيس الوزراء السابق)-أكثر اندماجاً مع أهداف  أبوظبي في اليمن، واستبداله ب علي محسن الأحمر كنائب للرئيس وأحمد عبيد بن دغر رئيس للوزراء، ابريل (نيسان) 2016، والبعيدان عن سيطرة أبوظبي التي تفاقم غضبها مع إقالة عيدروس الزُبيدي (محافظ عدن السابق) وهاني بن بريك (وزير الدولة السابق) نهاية ابريل (نيسان) هذا العام، والزُبيدي وبن بريك هم الأكثر قرباً من أبوظبي ويرأس الأول المجلس الانتقالي الجنوبي والثاني المسؤول عن قوة الحزام الأمني التي تتلقى أوامرها من أبوظبي أيضاً.
في حال تأججت الانقسامات ووصلت إلى حروب داخل كل تحالف من التحالفين، فسنكون أمام مشهد أكثر تعقيداً للاستقرار والأمن، ودخول أكثر من فاعل دولي ولن تستفيد من ذلك إلا إيران وحدها.
لتكسب الحكومة اليمنية/التحالف العربي من حالة انقسام الحوثي/صالح هي بحاجة إلى تفعيل دور السلطة الشرعية، وإيقاف التغول الإماراتي في المحافظات الجنوبية، وإعادة اللحمة داخل التحالف، أما حالة المتحكم بالسلطة عبر “مستعمر” خارجي يفترض به دعم الحكومة الشرعية فنحن أمام حالة مستعصية تُفقد الثقة بالتحالف وبالمملكة العربية السعودية.
 وفي نهاية المطاف تتفكك رؤى الخليجيين، ولم يعد أمام الحكومة الشرعية/ السعودية سوى الرهان على القوة العسكرية التي يمتلكونها لتحرير صنعاء سريعاً والتعويل على خلفات الحوثيين وصالح هي إطالة لأمد صراع لا ينتهي وسيزيد التحالف الذي تقوده السعودية تفككاً. بالحل العسكري السريع يمكن أنَّ يفكر الحوثيين وصالح بالخروج بماء الوجه، مع أنَّ ذلك بعيد المنال على الأقل في المنظور القريب.
 
 
 
 
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى