في مجموعة خاصة بالكتب، كان النقاش حادًا في يوليو الفائت، لقد طلب أحد الأعضاء كتبًا حول “الرقية، العين، السحر”. في المجموعة طلبة وقراء، دكاترة ومثقفون، شباب وشابات، وفيها أيضًا أناس لا يصلون، وليبراليون..
في مجموعة خاصة بالكتب، كان النقاش حادًا في يوليو الفائت، لقد طلب أحد الأعضاء كتبًا حول “الرقية، العين، السحر”. في المجموعة طلبة وقراء، دكاترة ومثقفون، شباب وشابات، وفيها أيضًا أناس لا يصلون، وليبراليون..
احتد النقاش بعد أن رد أحدهم “السحر خيال ووهم فقط” مستشهدًا بقول الله: “ولا يفلح الساحر حيث أتى”.
تكالب الجميع عليه، ظل يحاور بالمنطق والعقل، وكانوا يشتمونه، حتى الذين لديهم مشاكل مع سجاجيد الصلاة اتهموه بالردة والتهجم على معتقدات الآخرين، سألوه عن عمله، فرد بأنه دكتور في كلية الطب، قسم الأطفال.
سينتهي النقاش المحتدم، بإزالة الدكتور من المجموعة مكللًا بتهمة الردة، بالسخف، بالحمق، وبأشياء كثيرة.
أما الدكتور فهو يحيى الأهدل. قد يستغرب البعض بأن هذا الدكتور إصلاحيًا، بل وعضوًا في البرلمان لدورتين متتاليتين عن حزب الإصلاح، اختاره الكثير من أبناء منطقتي ليمثلهم، أذكر آخر مرة فاز بها الأهدل، كان منافسه من حزب صالح سيدًا من السلالة التي آمنت بالحق الإلهي لإدارة السلطة، وكان للسيد المؤتمري، كما راج في تلك الأيام، خدم من الجن، وكرامات، ومع ذلك لم يفز.
كانت حملة الأهدل الانتخابية بسيطة، حتى أن الدعاية الانتخابية خلت من الصور الملونة واللاصقة، كان الشباب يلصقون صوره بالعجين، أذكر أني أخذت صورة خلسة وخبأتها جمب بطني ثم عدت للبيت وعلقتها في منزلنا.
كان الفوز الثاني للأهدل، قبل بلوغي العاشرة، بمثابة انتصار العلم على الخرافة. الدكتور على السيد.
بعد أن جرى إعادة التقسيم الإداري، في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، نزل رجل أعمال من العيار الثقيل في دائرتنا عن حزب المؤتمر، كان مرشح المشترك من حزب الإصلاح مسكينًا وكان المال قد دنس الذمم وتعلق برقاب الضمير. فاز المؤتمر.
ومن بعدها لم نشهد أي انتخابات برلمانية.
مع دوران عجلة الحزبية في المنطقة، في التسعينيات، بدأت قصة شخص، مؤتمري حد النخاع، مع العين.
إلتقيته أكثر من مرة وسمعت القصة من فمه أكثر من سبع مرات.
كان، كما قال، في واديه يتأمل غصون القات، دخلت امرأة لتحز البرسيم للبقرة من ذات الوادي، كان غصون القات تلتمع مثل الذهب، وكان سعر القات مرتفع جدًا، نظرت المرأة إلى شجرة وقالت: سُعيد قلبه من سيأكل هذي الشجري.
لم يعطها الرجل أي شيء، قطف الشجرة ولاكها هو.
أصيب بتقرحات في فمه، اتجه إلى السيد فقال له أن عينًا أصابته، ذهب إلى الأطباء، تعز، صنعاء، عدن، السيد، لم يعد يبلع ريقه ولا يتناول القات منذ ذلك اليوم، لم تنفع معه كل المحاولات الطبية للشفاء، طلب من المرأة أن تتوضأ بطريقة غير مباشرة ليتمضمض بالماء، دون فائدة، اتجه إلى مصر، إلى الأردن، إلى السيد، عين المرأة عين المرأة، لم يتذوق شيئًا، عشر سنوات، ثم عشر أخرى، ثم ولج إلى العشرية الثالثة، استحى أن يخبر زوج المرأة أو إخوتها. عين المرأة في فمه وهم محترمون. وحين ماتت، ماتت العين.
كان الدكتور الأهدل يحارب الخرافة، في مجموعة الكتب وقبل ثلاثة أشهر تقريبًا، اتهموه بأنه غير مسلم، فرد: أنا مسلم ومؤمن جدًا، ولكني أحاول تنقيح الدين من الخرافة. أوردوا له حديث أن العين تقتل. فرد: بأن الواقع يقول غير ذلك وأن العلم يُكذِّب أن العين تقتل.
لعنوا العلم والدكتور، وقالوا بأنه أنكر حديثًا للنبي عليه الصلاة والسلام.
وبعد مجاذبات، سأل مستنكرًا:
لماذا لا يسلط المسلمون أعينهم على سلاطين الاحتلال الصهيوني لنراهم في القبور؟. وأردف: الإسلام دين العدل وليس دين الشعوذة. فاتهموه بالردة.
الدكتور كبير، وعرفته وأنا صغير يرتدي نظارة، هذا ما يجعله يتعامل مع لوحة الهاتف ببطء، ليسأل مرة أخرى، وقد نزلت الكثير من الرسائل المنسوخة من جوجل، ومذيلة باللعن، كتب الأهدل:
“لماذا لا نسلط مثل هذه العيون للقضاء على الظلمة والفاسدين. نحن الآن في القرن الواحد والعشرين كل كتب الطب في العالم، بما فيها العالم الإسلامي وكل محتويات القانون المدني والجنائي لا يوجد ذكر أن العين سبب من أسباب الموت والقتل. هل حُكم لشخص وتم القصاص منه لأنه أصاب شخص آخر بالعين وقتله”!
التهم مازالت تنهمر عليه، بسبب قوله إن العين وهم لها تأثير نفسي. سألوه عن مستواه التعليمي، هو دكتور في كلية الطب قسم الأطفال، يحاور الطفل حتى يكشف علته، ولديه نَقَس طويل على هذا النقاش.
قال نصيحته لمن طلب الكتاب:
“الإنسان بيده أن يستجيب للوهم أو لا يستجيب. عدم الإيمان بفاعلية السحر هو العلاج الأمثل، كما أن الصبر والتزام منهج الله وكتابه يقوي العزيمة، المؤمن لا يتأثر بالأوهام”.
في اليوم التالي كانت رسائل القدح والشتم، أما المؤدبة فكانت من قبيل: “راجع معلوماتك.. ماهو مستواك العلمي، لا تجادلوا أحمق، كلامك سخيف، ما يجي بمستواك التعليمي، أنت صاحب هوى، لعنة الله على العلم، تب إلى الله، تنكر حديث الرسول، أنت مرتد”.
وكان الرد المؤدب من الدكتور الأهدل: “سبوا واشتموا وقولوا ما تشاؤون، لا بد أن نصبر ونتحمل ضريبة تغييب الوعي والعقل الإسلامي”.
“نحن لا نكذب الحديث، وانما نكذب من روى الحديث ونسبه إلى الرسول”.
ومن ثم تم إزالة الدكتور من المجموعة. وعاد الأعضاء إلى عادتهم القديمة في طلب كتب فرج فودة وبعض الكتب التي يظهر فيها العقل بالعنوان، دون قراءة.
أما دكتور الجامعة، الطبيب الإنسان، والإصلاحي الخلوق، والبرلماني السابق فقد كان متهمًا بالردة لأنه قال العين وهم يصيب الإنسان، والموت الحاصل الآن سببه الحروب وليس العين!.
*
قبل أيام عدت إلى البيت، حدثني أبي عن الدكتور الأهدل وكيف كان يعرفه وأنه سمر في بيته بصنعاء، ليقول لي أن الأهدل مات.
مات في مكة وهو يرافق الحجاج اليمنيين، يطببهم ويطوف حول البيت العتيق. لم يكترث لتهم الردة ولا لوهم الأعين المارعة.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.