آراء ومواقف

من وصايا خطبة الوداع

عبدالعزيز المقالح

واسعة هي الفجوة التي تفصلنا -نحن مسلمي- العصر الحاضر عن تعاليم الإسلام كما وضعها الله -تعالى-، واستوعبها القرآن الكريم، وأوضحتها أقوال الرسول الكريم بسلوكه النبيل؛ سلوك من وصفه الله -سبحانه- بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» واسعة هي الفجوة التي تفصلنا -نحن مسلمي- العصر الحاضر عن تعاليم الإسلام كما وضعها الله -تعالى-، واستوعبها القرآن الكريم، وأوضحتها أقوال الرسول الكريم بسلوكه النبيل؛ سلوك من وصفه الله -سبحانه- بقوله: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ». ومن يعود إلى تلك التعاليم والقيم في أصولها ومراجعها الأولى قبل أن تضيع في الشروح والتفاسير وتخرج عن إطارها الروحي إلى الإطار الفكري، وما يتفرع عنه من خلافات الفقهاء واجتهاداتهم. وسأحاول في هذا الحديث – بمساحته المحدودة وفي هذه المناسبة الكريمة مناسبة «عيد الأضحى» المبارك – أن أقترب من نص أو بعبارة أخرى من وثيقة ترتبط بهذه المناسبة، وأعني بها خطبة الوداع، التي ألقاها رسول الله محمد بن عبد الله -عليه الصلاة والسلام- في مثل هذه المناسبة، وفي عرفات، واستمع إليها مئة ألف مسلم، وهو عدد كبير قياساً بما كان عليه عدد البشرية في ذلك الحين. والخطبة على قصرها، وإيجاز وصاياها تحتاج إلى كتاب وأكثر؛ لتوضيح أبعادها؛ وتقريب رؤاها، وأول ما يلاحظ فيها أنها موجهة إلى الناس أجمعين إلى كل البشر الذين كانوا موجودين يومئذ على وجه الأرض، ومن سيأتي منهم إلى يوم القيامة.
ولضيق المساحة – كما سبقت الإشارة – وابتعاداً عن التطويل سأكتفي باختيار أو بالأصح بالإشارة إلى أربع وصايا من الوصايا التي تضمنتها الخطبة، وكانت كما وردت في آخر لقاء للرسول الكريم مع حجّاج بيت الله الحرام، وكأنه كان على دراية بأنه سيترك الحياة الدنيا في نفس العام، ويرحل إلى الرفيق الأعلى؛ بعد أن أدّى الأمانة وبلّغ الرسالة، وهذه هي الوصية الأولى، وقد جاءت في البداية؛ لأهمية موضوعها:-
أولاً: «أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلّغت.. اللهم فاشهد» والسؤال هو أين المسلمون الآن من هذا النص الواضح الشفيف، الذي يدعوا إلى حقن الدماء وصيانة الأعراض؟ هل يتذكر المتحاربون والمتقاتلون والوالغون في دماء بعضهم هذه الوصية؟
ثانياً: «فاستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاتقوا الله في النساء، واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد»، «لقد تكررت في هذا النص كلمة «أوصيكم» مرتين؛ تأكيداً من الرسول على حقوق المرأة، وكان هذا الصوت الإنساني في ذلك الحين ثورة على التقاليد والعادات، التي تسحق المرأة، وتجردها من إنسانيتها كشقيقة للرجال كما قال الرسول في موضوع آخر».
ثالثاً: «لا ترجعُنّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنة نبيه، «ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد». ومن يقرأ هذه الوصية على ضوء ما يحدث الآن بين المسلمين يجد البون شاسعاً والمخالفة لا حدود لبشاعتها وتجاهلها للتعاليم التي جاءت لتهدي إلى الحق، ولتدين النزعات الشريرة التي تدعوا إلى أن يقتل الأخ أخاه، والمواطن مواطنه، وإزهاق الأرواح في حروب ضحاياها من الأبرياء، وممن لا ناقة لهم ولا جمل في الصراعات الدائرة هنا وهناك، وعلى أكثر من أرض عربية وإسلامية».
رابعاً: «أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي فضل إلَّا بالتقوى ألَّّا هل بلغت… اللهم فاشهد». أي دعوة إنسانية أشمل وأكمل من هذه الدعوة، أو أي ميثاق للمساواة بين سائر البشر أدق وأتم من هذا الميثاق، الذي يوّحد بين بني الإنسان كافة، ويجعل من الأرض منزلاً يتعايش فيه الأبيض والأسود والأحمر والأصفر.
–          نشر أولاً في الخليج الإماراتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى