صعوبات الكتابة النسائية في اليمن ذات شجون لا يحصيها العدد وإنما نقترب منها ونبتعد.
صعوبات الكتابة النسائية في اليمن ذات شجون لا يحصيها العدد وإنما نقترب منها ونبتعد.
بما أن المرأة في مجتمعنا تٌسلط نحوها تلك النظرة القاصرة فالأولى أن تكون النظرة لما تقول أو تكتب أشد قصورا وإجحافا.
ونقول إن لم تكن الكتابة أنثى وخليلها البوح فمن لقلوب الإناث المثقلة بالهزائم والمعافرة لتحقيق نصر الوجود في بيئة طاعنة في إنكار هذا التأنيث والبحث عن الفاظ معقدة كي تخفيه عن العيون.
ففي اليمن تجد من يتحاشى النطق بأسم زوجته بل يبحث عن لفظ كـ”البيت” و”الأهل” و”الجماعة” وعشرات من المسميات إلا أسمها أو لفظ يعري وجودها للأسماع.
وفي بيئة كهذه تظهر نساء خارقات يتصدرن المشهد كأضحيات يقدمن أنفسهن من أجل عبور أخريات لمشهد حياة تحترم وجودهن.
هؤلاء النساء هن الأديبات والكاتبات اللاتي يمضغ الكثير أسماءهن بغرابة و القليل بتقدير واهتمام.
تعبر الكاتبة حقلا من الزجاج المكسور مليء بالمحظورات و المحرمات فتنبش بأصابعها العارية هذا الواقع فتدمى جوارحها حتى تصل لأرضية صلبة تقف عليها بثقة دون خوف السقوط.
تحاول أن تصرخ بحروفها كي تصل إلى الأسماع وتعري كثافة الحجب التي تفصلها عن النجاح والعالمية كأي أديبة عربية وصلت قبلها بمراحل.
فماذا ستكتب أديبة كل خبراتها في الحياة مقارعة الواقع وتحمل أعباءه؟
في قراءة سريعة لأدبيات كاتبات يمنيات نلاحظ أن جلّ الفكرة تدور حول نقاط تكاد تتشابه في كل باكورة عمل أدبي, فهي لا تخلو من ذاتية الأديبة و جنوحها للخيال ورفضها للواقع الذي تصفه بمرارة كبيرة فكتابات المرأة مرآة الواقع ونبضه المهموس بحياء وخوف.
كما أن الزخم العاطفي يتدفق بقوة في الكتابات النسائية, ربما لطبيعة المرأة النابضة بالعاطفة والحب أو هو رد فعل لكبت العيب و إخفاء المشاعر نحو الأخر أو إبداءها للأخرين.
وبما أن كل مجتمع له خصوصياته المعينة التي يتفرد بها عن باقي المجتمعات المتشابهة, وفي داخل هذا المجتمع ذاته يوجد تفاوت كبير في معاملة المرأة و النظر إليها, فنظرة المجتمع الريفي بحياته الشاقة ستختلف تماما عن مجتمع المدينة الذي انفتح على العالم نوعا ما, كما تختلف مجتمعات المدن بعضها عن بعض في تثمين أي خطوة جديدة تقوم بها المرأة بحسب ثقافة و وعي الرجل.
وبالتالي يختلف مقدار معاناة كل كاتبة وهمومها عن غيرها .
فما مصير أديبة قادمة من مجتمع ريفي قبلي محافظ وكيف ينظر لها ككيان يحاول أن يبرز في جانب شبه منعدم في بيئتها و كم من المحبطات و المعوقات التي ستجهض حلمها وتلاحق محاولاتها بالفشل والاحباط.
البيئة القبلية اليمنية حتى في المناطق التي اضمحل فيها كيان القبيلة ما يزال الفكر القبلي هو المسيطر على مجريات الحياة وتقييم الأفراد نساء ورجال.
و رغم تشدق الكثير بمسميات و شعارات كحق المرأة وحرية المرأة إلا أنه ما يزال مجرد ظاهرة ادعائية لا تمت لواقعهم بصلة.
بل أن هناك من أصبح علامة فارقة في المناداة بشعارات كهذه وتجده في حياته الخاصة أبعد ما يكون عنها بل أنه مبالغ في ممارسة الالتزام بفكر عادات و تقاليد القبيلة التي تحاصر المرأة كعيب وعورة.
الدين الذي كان الغطاء الشرعي لعادات وتقاليد القبيلة زاد من تمسك العامة والجهلة بهذه التقاليد وكأنها جزء من الدين الذي يؤمنون به.
ناهيك عن النظرة القاصرة للمرأة فيما يخص أقوالها و أفعالها تلك النظرة التي تصنف كتاباتها كثرثرة نسائية عن نفسها هي.
وكأن الكتابة الأدبية ليست سوى نشرة معلنة لحال الكاتبة.
المجتمع اليمني الذي تأخر كثيرا عن ركب الحياة الطبيعية لا يمكن أن يتقبل أي أمر بشكل طبيعي, كل شيء يجب أن يتم تسليط المجهر عليه ويتم شيطنته وسوء الظن به حتى يثبت العكس و محاولات المرأة الخروج عن الاطار المحدد لها مسبقا من قبل هذا المجتمع أمر لا يمر بسهولة, يجب أن يشار لها بالبنان ككائن قارب الخطأ أو أخطاء فعلا, وما يستلزمه الأمر هنا هو المثابرة والتصميم حتى يتقبل المجتمع هذا الأمر تدريجيا ككل شيء, إنما لو اهتزت ثقتها بنفسها وحقها فأنها ستسلم في أول مواجهة وتؤثر السلامة فأراء الناس خناجر تدمي كل سالك.
الكاتبة الأنثى بفطرتها العاطفية الجياشة دائما ما تميل للكتابة عن الحب ربما بإسراف وعاطفة باذخة كفطرة طبيعية وكمشاعر تجتاح المرأة في بيئة تعاني كبت عاطفي تحت مسمى الخجل والعيب .
فكما تقول “مدام دوستايل”: (الحب هو تاريخ المرأة وليس إلا حادثاً عابراً في حياة الرجل).
أو كما قال “هوجو”: (قد يكتب الرجل عن الحب كتاباً ومع ذلك لا يستطيع أن يعبر عنه ولكن كلمة عن الحب من المرأة تكفي لذلك كله.)
ينتج عن هذه الكتابات العاطفية حرب نفسية موجهة ضدها وضد هذا النوع من الكتابات التي توصف بالمائعة وغير المحتشمة في مجتمع محافظ لا يصوغ للمرأة أي نوع من البوح العاطفي, مجتمع مازالت بعض مكوناته لا تستشير الفتاة في أمر زواجها أو مصيرها فكيف تتقبل الحديث عن الحب وعلاقات القلوب.
كما أن الكاتبة تواجه فهما خاطئا من فئة المثقفين بنفس القدر الذي تواجهه من المجتمع الجاهل فحرب شخصنة النصوص جعلت الكثير من الكاتبات يقمعن رغباتهن في الكتابة عن الحب والتنظير له بعد إسقاط كل ما يكتبن على حيواتهن الشخصية بشكل يثير معاناة أعمق .
وتعد هذه الهموم جزء من هموم الكتابة بشكل عام..
فمن همً طباعة الكتاب وشحة الامكانات إلى هم الأمية الثقافية وتجاهل كل الكتب كترف عقلي في البيئة اليمنية..
وككل شيء في وطن تمزقه الحرب الكتابة أيضا يمزقها الوضع بين التوجهات السياسية والأدباء ليسوا بمنجى منها أبدا.
هم آخر يحكم وثاق الكتابة لوضع يفرض نفسه دائما.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.