كتابات خاصة

ليش ما تاكلوش بسكوت؟!

حسن عبدالوارث

في مجتمع تطفو على سطحه وترسخ في أعماقه معاً جميع عوامل التخلف ومظاهر التقهقر، من جهل مطبق ووباء فتاك وفقر مدقع، مضافاً إليها حروب وقلاقل متواصلة، يغدو ضرباً من الحماقة أن ينبري أحد للحديث عن مكانة البحث العلمي، أو أن يشرع أحد في الحديث عن دور الموسيقى الكلاسيكية في الارتقاء بالذائقة الجمالية الجمعية!

في مجتمع تطفو على سطحه وترسخ في أعماقه معاً جميع عوامل التخلف ومظاهر التقهقر، من جهل مطبق ووباء فتاك وفقر مدقع، مضافاً إليها حروب وقلاقل متواصلة، يغدو ضرباً من الحماقة أن ينبري أحد للحديث عن مكانة البحث العلمي، أو أن يشرع أحد في الحديث عن دور الموسيقى الكلاسيكية في الارتقاء بالذائقة الجمالية الجمعية!

حين تكون الأمية الأبجدية – ناهيك عن السياسية أو الثقافية أو التقنية- ضاربة أطنابها في بنية المجتمع، وتكون بيوت العلاج بالشعوذة عشرة أضعاف المشافي، أو تكون المدارس والجامعات مجرد مبان ٍ تُعشّش فيها غربان الجهل ويفقس فيها بيض التبلّد، فلا مجال حينئذ ٍ للحديث عن مستقبل حقيقي للأمة في أيّ مجال. أما حين تغدو الحرب مسلسلاً تركياً هندياً مكسيكياً لا نهاية لمجرياته وتعقيداته، وتصير القلاقل والاغتيالات والثأرات جزءاً حميماً من نشرة الأخبار مع كوب الشاي أو ساندوتش الافطار، فلا تبحث حينها عن فرصة للنقاش في أحوال التنمية، ناهيك عن فرص الابتكار العلمي في مجالات خارج مدار الأرض.
ثم تلتفت يميناً ويساراً فتجد الأمراض والأوبئة وبؤر الفقر والمجاعة تستشري وتتشطّر كخلايا البيكتيريا، وتجد رقعة الرُّقية تتدلى من أجساد الرجال والنساء والأطفال، فهل تستطيع حينها أن تدعو الناس الى ندوة حول العلمانية أو الديمقراطية، أو تطلب منهم الانخراط في دورة تدريبية حول ادارة الحملات الانتخابية؟ كيف تطلب من عاري الجسم أن يحمل على رأسه علم الوطن وهو ينظر اليه كقطعة قماش تكفيه ازاراً يُغطّي به عورته!
ثم تتساءل: هل شحّت الثروات والخيرات في هذا البلد الى هذا الحدّ المؤلم؟
ويأتيك الجواب: ان البلد فاحش الغنى، ولكن حكامه فاحشو اللصوصية!!
.
.
يُحكى عن ماري انطوانيت أنها تساءلت عن أسباب ثورة الناس في باريس آنذاك، فقيل لها إنها ثورة جياع لم يجدوا كسرة الخبز، فردّت عليهم متسائلة: ولماذا لا يأكلون الكيك (أو الجاتوه أو البسكويت أو سواه) مادامهم لم يجدوا الخبز؟!
وقد تكون هذه السيدة الارستقراطية الجميلة بريئة مما ألتصق بها من قول في سياق هذه الواقعة.. غير أن هذا المثال متوافر في كل زمان ومكان.. وفي كل يمان.
ففي هذه الأيام، وفي هذا البلد، يموت الناس من الجوع (حقيقة ً، لا مجازاً) ومن الوباء، ومن نيران المعارك الداخلية والعدوان الخارجي، ومن أسباب كثيرة ذات صلة عضوية مباشرة ووطيدة بالحرب والفقر. ثم يأتيك انطوانيتي سافل ليُنذرك بوجوب عدم الشكوى من الجوع أو الفاقة، أو من أن راتبك مقطوع، أو من أن الطعام اما معدوم أو باهظ الثمن، بل من أن أطفالك لا يفقهون أدنى معنى لمفردات: العدوان والشرعية والانقلاب، بل لا يفهمون أيّ معنى لكلمة “وطن”!
.
.
–  اللي يشتي راتب سنكسر لقفه!
–  اللي يشتي راتب يسير الجبهة!
–  اللي يشتي راتب كاذب فاليمني عمره ما اعتمد على الراتب!
هذا ما تسمعه من انطوانيت صنعاء.. فيما تسمع لهجة قرينة من انطوانيت عدن:
–  اللي يشتي راتب لازم يثور على الانقلاب!
–  اللي يشتي راتب لا يخضع لحكم الحوثي وعفاش!
–  اللي يشتي راتب ينزل يستلمه من عدن!
ثم تُولّي وجهك شطر صنعاء وعدن فتدهش من انتفاخ تخمة السلالات الانطوانيتية في المدينتين!
هذا ليس الوطن..
هذي رائحة عفن!

ليش ما تاكلوش بسكوت؟!
حسن عبدالوارث
في مجتمع تطفو على سطحه وترسخ في أعماقه معاً جميع عوامل التخلف ومظاهر التقهقر، من جهل مطبق ووباء فتاك وفقر مدقع، مضافاً إليها حروب وقلاقل متواصلة، يغدو ضرباً من الحماقة أن ينبري أحد للحديث عن مكانة البحث العلمي، أو أن يشرع أحد في الحديث عن دور الموسيقى الكلاسيكية في الارتقاء بالذائقة الجمالية الجمعية!
حين تكون الأمية الأبجدية – ناهيك عن السياسية أو الثقافية أو التقنية- ضاربة أطنابها في بنية المجتمع، وتكون بيوت العلاج بالشعوذة عشرة أضعاف المشافي، أو تكون المدارس والجامعات مجرد مبان ٍ تُعشّش فيها غربان الجهل ويفقس فيها بيض التبلّد، فلا مجال حينئذ ٍ للحديث عن مستقبل حقيقي للأمة في أيّ مجال. أما حين تغدو الحرب مسلسلاً تركياً هندياً مكسيكياً لا نهاية لمجرياته وتعقيداته، وتصير القلاقل والاغتيالات والثأرات جزءاً حميماً من نشرة الأخبار مع كوب الشاي أو ساندوتش الافطار، فلا تبحث حينها عن فرصة للنقاش في أحوال التنمية، ناهيك عن فرص الابتكار العلمي في مجالات خارج مدار الأرض.
ثم تلتفت يميناً ويساراً فتجد الأمراض والأوبئة وبؤر الفقر والمجاعة تستشري وتتشطّر كخلايا البيكتيريا، وتجد رقعة الرُّقية تتدلى من أجساد الرجال والنساء والأطفال، فهل تستطيع حينها أن تدعو الناس الى ندوة حول العلمانية أو الديمقراطية، أو تطلب منهم الانخراط في دورة تدريبية حول ادارة الحملات الانتخابية؟ كيف تطلب من عاري الجسم أن يحمل على رأسه علم الوطن وهو ينظر اليه كقطعة قماش تكفيه ازاراً يُغطّي به عورته!
ثم تتساءل: هل شحّت الثروات والخيرات في هذا البلد الى هذا الحدّ المؤلم؟
ويأتيك الجواب: ان البلد فاحش الغنى، ولكن حكامه فاحشو اللصوصية!!
.
.
يُحكى عن ماري انطوانيت أنها تساءلت عن أسباب ثورة الناس في باريس آنذاك، فقيل لها إنها ثورة جياع لم يجدوا كسرة الخبز، فردّت عليهم متسائلة: ولماذا لا يأكلون الكيك (أو الجاتوه أو البسكويت أو سواه) مادامهم لم يجدوا الخبز؟!
وقد تكون هذه السيدة الارستقراطية الجميلة بريئة مما ألتصق بها من قول في سياق هذه الواقعة.. غير أن هذا المثال متوافر في كل زمان ومكان.. وفي كل يمان.
ففي هذه الأيام، وفي هذا البلد، يموت الناس من الجوع (حقيقة ً، لا مجازاً) ومن الوباء، ومن نيران المعارك الداخلية والعدوان الخارجي، ومن أسباب كثيرة ذات صلة عضوية مباشرة ووطيدة بالحرب والفقر. ثم يأتيك انطوانيتي سافل ليُنذرك بوجوب عدم الشكوى من الجوع أو الفاقة، أو من أن راتبك مقطوع، أو من أن الطعام اما معدوم أو باهظ الثمن، بل من أن أطفالك لا يفقهون أدنى معنى لمفردات: العدوان والشرعية والانقلاب، بل لا يفهمون أيّ معنى لكلمة “وطن”!
.
.
–  اللي يشتي راتب سنكسر لقفه!
–  اللي يشتي راتب يسير الجبهة!
–  اللي يشتي راتب كاذب فاليمني عمره ما اعتمد على الراتب!
هذا ما تسمعه من انطوانيت صنعاء.. فيما تسمع لهجة قرينة من انطوانيت عدن:
–  اللي يشتي راتب لازم يثور على الانقلاب!
–  اللي يشتي راتب لا يخضع لحكم الحوثي وعفاش!
–  اللي يشتي راتب ينزل يستلمه من عدن!
ثم تُولّي وجهك شطر صنعاء وعدن فتدهش من انتفاخ تخمة السلالات الانطوانيتية في المدينتين!
هذا ليس الوطن..
هذي رائحة عفن!
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى