كتابات خاصة

السبسي وميراث المرأة

عبدالله القيسي

دعا الرئيس التونسي في خطاب له بمناسبة العيد الوطني للمرأة يوم الأحد الماضي إلى ضرورة إجراء مراجعات قانونية من شأنها أن تساوي بين الرجل والمرأة في الميراث وأن يسمح لها بالزواج من غير المسلم.

دعا الرئيس التونسي في خطاب له بمناسبة العيد الوطني للمرأة يوم الأحد الماضي إلى ضرورة إجراء مراجعات قانونية من شأنها أن تساوي بين الرجل والمرأة في الميراث وأن يسمح لها بالزواج من غير المسلم.

وقد أعلنت دار الإفتاء التونسية تأييدها لمقترحات رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، حول المساواة بين الرجل والمرأة في كل المجالات بما فيها الإرث، الأمر الذي أثار حفيظة الأزهر في مصر مما جعله يصدر بيانًا بشأن دعوة الرئيس التونسي لمراجعة قانون الميراث للمساواة بين الرجل والمرأة، معتبرا إن دعوات التسوية بين الرجل والمرأة في الميراث تظلم المرأة ولا تنصفها وتتصادم مع أحكام شريعة الإسلام، واصفاً تلك الدعوات في بيانه الرسمي بأنه “تبديد لا تجديد” وفقاً لعنوان البيان.
عقب ذلك دار جدال واصطفاف مع الدعوة أو ضدها في مواقع التواصل الاجتماعي، وبعيدا عن الاصطفاف الذي لم يأخذ حظه من العقلانية سأحاول الإجابة عن مدى منطقية وواقعية هذه الدعوة في هذا التوقيت؟
بداية لا أظن أن هناك دولة عربية يمكنها في هذه اللحظة أن تقر قانونا يقضي بالمساواة بين سهم الذكر والأنثى من الأولاد في مسألة المواريث، فالمسألة لها أبعاد فكرية واجتماعية ربما لم يدركها من دعا تلك الدعوة، أو أنها إلى خانة السجال السياسي مع الخصوم أقرب..
سأسرد بعض النقاط التي تجعلني أميل إلى عدم منطقية وواقعية تلك الدعوة في هذه اللحظة الزمنية.
أولا: هذه الدعوة بحاجة إلى قراءة تجديدية متكاملة لآيات المواريث كلها، لا أن نجتزأ الجزء الخاص بتلك المسالة فقط، فتكون غير متسقة مع الآيات الأخرى، وبحد علمي لا توجد قراءة تجديدية معاصرة تطرح قضية المورايث كاملة من زواية فلسفة “المساواة الكاملة بين الذكر والأنثى”، والرؤية التجديدية الوحيدة المخالفة للرؤية التراثية هي رؤية الدكتور محمد شحرور وهي رؤية لا تقول بالمساواة بينهما كما يظن البعض، بل إنها قد تجعل في بعض الحالات للرجل ثلاث أضعاف المرأة، وكلامه عن المساواة بين مجموع ذكور الكرة الأرضية في مقابل مجموع إناث الكرة الأرضية خداع لفظي لا قيمة له، والفهم التراثي أقرب للمساواة من تلك القراءة برأيي..كما أن تلك القراءة لشحرور تفتقد للبساطة وتجعل فهمها قريبا لمتخصصي الرياضيات وبعيدا عن غيرهم، ولا أظن النص القرآني الذي كان يخاطب أوصياء الأيتام بتقسيم الإرث كان بتلك التعقيدات التي ذكرها في قراءته..
ومن خلال بحثي في قضايا المواريث اكتفيت بوضع قراءة جديدة تحاول إصلاح بعض أجزاء الرؤية التراثية للمواريث، وهي الأجزاء التي رأيت فيها خللا ناتجا عن الابتعاد عن النص القرآني القطعي إلى نص الروايات الظنية، فحاولت وضع حلول لثلاث مشكلات في المواريث، أولها: مشكلة اليتامى الذين لا يرثون بسبب موت أبيهم قبل جدهم، فجعلهم يفقدون سهم أبيهم من جدهم، وثانيها: ما يسمونه المسألة الحمارية، وهي مشكلة يعترف التراثيون بعلتها وإشكالها ولكنهم يتركونها بلا حل، أو حل غير كافي كما فعل المتأخرون مع مسألة اليتامى.. وخلاصة المسألة الحمارية هي أن تموت امرأة وتترك زوجها وأمها وأخوة لأمها وأخاً لأبيها وأمها، فللزوج النصف، والأم السدس، والباقي للأخوة للأم، ولا شيء للأخ للأب، أو لهما معا. وسميت بالحمارية: لأنهم لما مُنعوا قالوا للقاضي: هب أبانا حماراً أليست أمنا واحدة؟ وثالثها: مشكلات جزئية نتجت عن القول بالتعصيب لأولى رجل ذكر، جعل ابن العم في حالات يأخذ أكثر من نصيب واحدة من البنات، فلو مات رجل وورثه عشر بنات وابن فإن الأولاد يتقاسمون الإرث بينهم للذكر مثل حظ الانثيين وسيقتسمون مبلغ 24 مليون ريال كالآتي، الابن سيأخذ 4 مليون وكل بنت ستأخذ 2 مليون، ولكن لو مات ذلك الرجل وخلف بعده عشر بنات وابن عم فكيف ستقسم التركة؟ يقولون: بحسب رؤية التعصيب تلك تأخذ البنات الثلثين والباقي تعصيبا لابن العم، فتأخذ كل بنت 1.6 مليون ويأخذ ابن العم 8 ملايين، ففي حين كان الابن معهن أخذ 4 ملايين ولما لم يكن موجودا وحل محله ابن العم أخذ 8 ملايين، فكيف يكون ذلك؟ هذا ما حاولت قراءته في تلك الدراسة.
 
ربما هناك رؤى تشتغل على الجزئيات داخل المنظومة التراثية لكن دون تغيير كامل لها، ودون القول بالمساواة التامة بين الذكر والأنثى، وهذا يعني أن تلك الدعوة للمساواة لا تستند على قراءة متكاملة لآيات التراث.
ثانيا: إن الأخذ بمبدأ المساواة لن يقف عند مسألة المواريث فقط وإنما سيتعداها إلى قضايا أخرى تحتاج أن نقرأها في ضوء تلك المساواة حتى يكون هناك اتساق، فمثلا سيدعو الرجل إلى المساواة في قضية الصداق، وسيطالب بإلغائه والاكتفاء بأن يكون الزواج بالتراضي دون صداق وكل واحد يدبر أمره في تكاليف العرس، فإن افترضنا اتفاقهم في ذلك فإن هذا سيجرنا لمسألة أخرى هي: بيد من يكون تكون عصمة الطلاق؟ فإن قالوا بالتراضي وقعوا في مشكلة أخرى، إذ لو رفض أحدهما فإن الحياةة الزوجية ستبقى معلقة مضطربة حتى يتفق الاثنان، فإذا كره الحياة أحدهما وأحبها الآخر فإنهما سيظلا في نكد، وإن كانت بيد أحدهما فالآخر لن يرضى، وإن كانت بيد الاثنين ومن طلب الطلاق تحقق، فإنها أولا ستجعل الطلاق سريعا، أما ثانيا فإنها لا تبتعد عن رؤية التراث مع فارق أن ما جاء في التراث أكثر تنظيما، إذ يسمح لها في الرؤية التراثية أن تطلب الطلاق بمقابل فداء من المال، مع العلم أنها ستأخذ حقا بعد الطلاق يعتمد على طول مدتها مع الزوج، فكلما طالت المدة مع زوجها، قل الفداء وزاد حقها بعد الطلاق، وهذه الرؤية الأخيرة لم تفعل جيدا في الخطاب الديني المعاصر ولم تحول لقانون للأسف.
ومن القضايا التي سنضطر لنقاشها في ضوء قانون المساواة ذاك قضية النفقة الواجبة على الزوج، فإن قلنا تكون النفقة عليهما بالتساوي فلمن تكون القوامة؟ فإن انتقلت للمرأة استمرت المشكلة وإن قلنا بينهما لم يكن منطقيا.. إذ القوامة تستلزم واحدا يتحمل مسؤوليتها ويسأل عن تقصيره، ولا يصح أن ننصب اثنين على عمل واحد لأن الخلاف سيكون مستمرا.. وهذا سيجرنا لطرح سؤال آخر لتحقيق المساواة، إذ ما دامت المرأة ستتقاسم مع الرجل العمل والنفقة، فهل سيشاركها عمل البيت الداخلي أم لا؟ وإن قاسمها ذلك العمل فهل يستطيع أن يقاسمها أعمالا خاصة بها كالحمل والولادة والرضاعة؟!
إن الرجل يختلف بيولوجيا عن المرأة وهذا يعني أيضا اختلاف في الوظائف، ولكن الحاصل أننا بين وقعنا رأيين غير منطقيين، رأيي سلفي يوسع الاختلاف بين الذكر والأنثى فيحرمها من حقوق كثيرة بحجة اختلافها بيولوجيا، ورأي حداثي يصهر ذلك الاختلاف وينادي بالمساواة التامة التي تخالف المنطق والعقل، فيغفل الاختلاف البيولوجي والذي يجعل الرجل يتحمل أعمالا لا تحتملها المرأة، وأعمالا تقوم بها المرأة ولا يستطيع أن يقوم بها الرجل.
إذن لو كانت المساواة الكاملة مطلوبة لخلقنا الله كلنا ذكورا أو كلنا إناثا، ولكنه خلقنا ذكورا وإناثا لنتكامل، فالتكامل قيمة أساسية في هذه القضية، ثم إن المساواة الكاملة ظلمت المرأة الغربية في بعض الزوايا، فحيث دخلت في الأعمال الشاقة فإن إنتاجها كان أقل من الرجل وبالتالي كانت أجرتها أقل.
بقيت نقطة أخيرة توقفت عندها متسائلا وهي: لماذا سكت القرآن عن تفاصيل الشأن السياسي والشأن الاقتصادي مما يعد في الظاهر مهما وفصّل قضايا الأسرة من زواج وطلاق ومواريث؟ وهل يمكن أن ندخل قضية الأسرة تحت نظرية المقاصد كما هو الشأن الاقتصادي والسياسي والجنائي؟ فتتغير بتغير الزمان مع الحفاظ على المقصد؟
برأيي أن ذلك التفصيل في قضية الأسرة وأخذها كحزمة واحدة حتى يتحقق العدل في مجموعها مهم إذا نظرنا لإخفاقات أهم نظريتين معاصرتين هما الاشتراكية والرأسمالية، ففي حين ركزت الأولى على المجتمع -باسم العدالة- فإنها أغفلت الفرد وهمشته، وفي حين ركزت الثانية على الفرد -باسم الحرية- فإنها أغفلت المجتمع وهمشته.. فهل ذكر تفاصيل أحكام الزواج والطلاق والمواريث في النص القرآني كان هدفه الحفاظ على شكل الأسرة مهما اختلفت الأزمان ومن ثم هو مسك العصا من المنتصف؟ فتكون النظرية الإسلامية قد حافظت على طرفي العصا وهما الفرد والمجتمع باعتبار الأسرة هي الرابط بينهما؟ ربما يكون ذلك..
لأجل ذلك كله لازلت أرى في أحكام الأسرة منظومة صالحة لزماننا بما تحققه من عدالة وتكامل..
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى