ظلت “حمامة أحمد” تمنّي نفسها النظر إلى بيت الله الحرام، ومع اقتراب موعد موسم الحج، قطعت نحو 250 كيلومترا من قريتها في محافظة ذمار وسط اليمن، إلى العاصمة صنعاء، للتسجيل في وكالات تفويج الحجاج.
يمن مونيتور/الأناضول
ظلت “حمامة أحمد” تمنّي نفسها النظر إلى بيت الله الحرام، ومع اقتراب موعد موسم الحج، قطعت نحو 250 كيلومترا من قريتها في محافظة ذمار وسط اليمن، إلى العاصمة صنعاء، للتسجيل في وكالات تفويج الحجاج.
رتبت “حمامة” لهذا الموسم جيدا، فحفظت موعد بدء التسجيل، وجمعت أموالا جنتها من بيعها للمحاصيل الزراعية، وذهبت مع قريب لها لاستصدار جواز (وثيقة) سفر جديد، لكن كانت للحرب وما خلفته من أوضاع كلمة أخرى.
ويشهد اليمن منذ 26 مارس / آذار 2015 حربا بين القوات الحكومية مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية من جهة، ومسلحي جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) والرئيس السابق علي صالح المدعومين من إيران من جهة أخرى، والذين يسيطرون بقوة السلاح على محافظات منها صنعاء منذ 21 سبتمبر / أيلول 2014.
** دموع “حمامة”
تعذر تسجيل اسم “حمامة” للحج هذه المرة بعد محاولتين مماثلتين خلال العامين الماضيين، إثر قرار الحكومة اليمنية منع التعامل بوثائق السفر الصادرة عن مصلحة الهجرة والجوازات في صنعاء (تحت سيطرة الحوثيين) خلال عامي 2016 و2017.
كان الحل أمام العجوز الستينية هو السفر إلى مدينة مأرب شرق صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية للحصول على جواز سفر جديد، لكن الحرب هناك فضلا عن وضعها الاقتصادي السيء جعلها تيمم وجهها عائدة إلى منزلها في القرية ودموعها تنهمر.
“حمامة” هي واحدة من آلاف اليمنيين الذين تهوى أفئدتهم حج بيت الله العتيق، لكن تردي الأوضاع الاقتصادية والإجراءات التي تطرأ بين الحين والآخر على عملية تسجيل الحجاج، حرمتهم من أداء الركن الخامس في الإسلام.
** جهد وأموال
أنور عبد الله، وهو حفيد الجدة “حمامة” وكان من المقرر أن يسافر معها، قال للأناضول “خلال الشهرين الماضيين تكبدنا عناء السفر، ودفعنا أموالا كثيرة لسماسرة من أجل إصدار جواز سفر لكلينا، وبعدها قالوا لنا إن الحكومة لا تتعامل بهذه الجوازات”.
وبنبرة أسى أضاف الحفيد: “حرام عليهم يعاملونا هكذا، تعبنا كثيرا، كل يوم كنا نعمل على إصدار الوثائق، وظللنا لأيام نسكن عند أقارب لنا في صنعاء، وبعد كل هذا يصدونا عن بيت الله”.
وأضاف: “جدتي بكت كثيرا، فهي تتمنى أن تحج، وفي كل عام تضع نصب عينيها تأدية هذا النسك قبل أن يتوفاها الله”.
ومنتصف مايو / أيار الماضي، قال وزير الأوقاف اليمني أحمد عطية، إن وزارته “تواصلت مع الجهات المسؤولة في مصلحة (هيئة) الهجرة والجوازات، وكذا الجهات السعودية، وأكدوا أن الجوازات الصادرة من صنعاء والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين منذ مطلع عام 2016، “غير مقبولة، لعدم وجود بياناتها في قاعدة البيانات المخزونة لدى مصلحة الهجرة والجوازات”.
** انقطاع الرواتب
الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يكابدها اليمنيون جراء الحرب حالت هي الأخرى دون ارتداء آلاف اليمنيين ملابس الإحرام والمبيت في مزدلفة والوقوف بجبل عرفة، حيث بلغت تكاليف الحج نحو 600 ألف ريال يمني (الدولار الأمريكي يعادل 375 ريال).
ورغم أن هذه التكلفة تعد الأقل بين كل الدول الإسلامية، بحسب وزارة الأوقاف اليمنية، إلا أنها بنظر اليمنيين باهظة، خصوصا مع انهيار قيمة الريال اليمني أمام الريال السعودي، وتردي الوضع الاقتصادي في اليمن.
عبد المجيد سالم، وهو أحد المتضررين، قال للأناضول “وضعت خططا للحج مع زوجتي هذا الموسم، إلا أن الأوضاع الاقتصادية التي عاشتها أسرتي، خصوصا مع انقطاع الرواتب (عن الموظفين الحكوميين منذ أشهر)، واستمرار الحرب، جعلتني أؤجل فكرة الحج إلى أجل غير مسمى”.
الموظف الحكومي العامل في مكتب تابع لوزارة المالية، تابع بضيق وحزن: “صرفت كل ما ادخرته للحج خلال السنوات الماضية، من أجل أن أوفر لقمة العيش لأولادي، بل إنني بعت بعضا من الذهب الخاص بزوجتي”.
ومنذ 10 أشهر، يعيش قرابة مليون و200 ألف يمني، هم موظفو الجهاز الإداري للدولة، دون رواتبهم المتوقفة جراء الصراع الاقتصادي بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثيين على البنك المركزي، حيث نقلت الحكومة الشرعية مقره من صنعاء إلى عدن (العاصمة المؤقتة ـ جنوب)، متهمة الحوثيين بإهدار الاحتياطي الأجنبي.
** مشقة السفر
بعد أن بدأت قوات التحالف العربي عمليتها العسكرية في اليمن ضد مسلحي الحوثيين وصالح، أغلق التحالف جميع المنافذ البرية إلى اليمن.
ويستثنى من هذا الوضع منفذ “الوديعة” شمالي محافظة حضرموت (شمال شرق) الذي لم يسيطر عليه الحوثيون، ليظل المنفذ الوحيد بين اليمن والسعودية، ومن خلاله تفوج وزارة الأوقاف اليمنية الحجاج.
لكن منفذ “الوديعة” الواقع في الصحراء بعيد عن المدن اليمنية، وتفتقر منطقته إلى الخدمات، ما سبب مشكلات للحجاج خلال العامين الماضيين، إذ ظلوا هناك لعدة أيام في العراء.
عبد الحكيم فاضل، وهو أحد الحجاج الذين سيغادرون عبر منفذ الوديعة، قال: “كنت أنوي الحج مع والدي السبعيني، لكن مشقة السفر عبر منفذ الوديعة، والمصير المجهول الذي كنا نتوقعه، جعلني أسافر لوحدي”.
فاضل، وفي حديث مع الأناضول، تابع “أبي لن يتحمل تلك الظروف.. درجة حرارة مرتفعة، وظللنا (خلال موسم حج سابق) في المعبر لأيام دون خدمات، عدا قليل منها قدمها لنا شبان متطوعون، حيث وفروا الحمامات والمأوى”.
** توقف الطيران
من كافة أرجاء الأرض، يستقل أكثر من مليوني زائر لبيت الله المعظم الرحلات الجوية، لكن نحو 24 ألفا و500 حاج يمني (هذا العام) يفتقرون إلى تلك الميزة، فالرحلات الجوية محدودة ومقصورة على رحلات للمسافرين والمرضى.
ومع إغلاق التحالف الأجواء اليمنية، أحد تداعيات الحرب، يقتصر العمل على تسيير رحلات المسافرين اليمنيين على طائرتين، هما كل ما يملكه “أسطول” شركة “اليمنية” للطيران (حكومية)، ما دفع وزارة الأوقاف اليمنية إلى تفويج الحجاج عبر الحافلات من منفذ الوديعة.
“لو كان لدينا رحلات جوية والمطارات مفتوحة، لكان بالإمكان أن يحج أبي، وأن تكون سعادتي بزيارة بيت الله وتأدية الركن الخامس مضاعفة”، كما علق فاضل بحسرة.