منذ فوزه بالرئاسة؛ ثم بعد تسلمه مفاتيح البيت الأبيض، توقعنا أن يعيش العالم 4 سنوات مثيرة، وربما ممتعة مع ترمب إذا بقي في السلطة. ذلك الكائن غريب الأطوار الذي جاء إلى سدة الرئاسة الأميركية من موقع «البزنس»، وليس من عالم السياسة، ويتمتع بمزايا شخصية فريدة؛ يكفي أن تكون إحداها أنه قادم من عالم حلبات المصارعة الأميركية، بكل ما يعرفه الناس عنها من جنون وتهوّر.
منذ فوزه بالرئاسة؛ ثم بعد تسلمه مفاتيح البيت الأبيض، توقعنا أن يعيش العالم 4 سنوات مثيرة، وربما ممتعة مع ترمب إذا بقي في السلطة. ذلك الكائن غريب الأطوار الذي جاء إلى سدة الرئاسة الأميركية من موقع «البزنس»، وليس من عالم السياسة، ويتمتع بمزايا شخصية فريدة؛ يكفي أن تكون إحداها أنه قادم من عالم حلبات المصارعة الأميركية، بكل ما يعرفه الناس عنها من جنون وتهوّر.
يوماً إثر آخر تتأكد هذه النظرية، مبقية -على نحو غير مسبوق في أميركا- على سؤال حول مصير الرجل، وما إذا كان سيكمل رئاسته أم لا، ليس فقط لأن «الدولة العميقة» في أميركا ما زالت تطارده، أو تروّضه في أقل تقدير، ولا لأن الإعلام أو الجزء الأكبر والأهم منه، لا زال يسخّفه، بل أيضاً لأن هناك جزءاً معتبراً من النخب والرأي العام ما زال يشكك في قدراته العقلية أيضاً.
وللمرء أن يتخيل كيف تمكنت مجموعة «وجب التحذير» الأميركية، التي أسسها الطبيب النفسي الشهير الدكتور جون غارتنر، من جمع تواقيع لما يقرب من 60 ألفاً من الأطباء النفسيين على التماس يدعو لعزل الرجل، معللة ذلك بإصابته بـ»مرض عقلي خطير يجعله غير قادر نفسياً على الاضطلاع بكفاءة بمهام رئيس الولايات المتحدة».
من أهم وجوه الإثارة في المشهد الذي نتابعه هو أن «الدولة العميقة» في أميركا ما زالت تتمرد عليه، وصولاً إلى دفع أعضاء حزبه، وهم الغالبية في الكونجرس إلى الوقوف ضده، وما قصة فرض العقوبات على روسيا سوى دليل كبير على ذلك، فضلاً عن فشله في شطب «أوباما كير».
دعك هنا من فوضى التعيينات والإقالات الهوجاء في المواقع، وما يمنحه لابنته إيفانكا أو زوجها من صلاحيات، فالأكثر وضوحاً في المشهد الراهن، وربما الأكثر إثارة هو قدرة الدولة العميقة على دفع مساعديه ومن عيّنهم، ولا يزالون على رأس عملهم، إلى الاستخفاف به والتمرد عليه، وقد تابعنا فصولاً من ذلك في بداية الأزمة الخليجية، وها نحن نتابعها بشكل أوضح في قصة كوريا الشمالية التي دفعت لهذه السطور، عبر تذكيرنا بجنون الرجل وحالته الفريدة في تاريخ الولايات المتحدة (أتبعها بالتلويح بالتدخل العسكري في فنزويلا!!).
من ملعب الغولف في نيوجيرسي؛ حيث يقضي إجازته الصيفية، يطلق ترمب التهديدات عبر «تويتر»، بينما يتكفل وزير دفاعه ووزير خارجيته بلملمة الأمر، فيتحدث «ماتيس» عن «كارثية» المواجهة النووية مع كوريا، ثم يؤكد أنها (أي كوريا الشمالية) لا تشكل خطراً على الولايات المتحدة، وأن الأولوية للدبلوماسية التي تحقق بعض النتائج، لكن الرئيس لا يتوقف عن التهديد، لكأنه معزول تماماً عن العالم، وعن الدولة، ومؤسستها الأمنية والعسكرية، وجنرالاتها الكبار. وحين يعلّق على طرد بوتن دبلوماسيين أميركيين، يثير خجل الخارجية وأسفها بقوله إن ذلك «يبعث على السرور»، لأنه سيخفّض النفقات!!
لا حاجة للتذكير بجنون الزعيم الكوري الشمالي، فهو يتفوق على ترمب، وإذا كان الأخير قد أفلح في عالم «البزنس» مثلاً، فإن الأول لا يصلح لشيء، وهو لا يعدو أن يكون مجرد شاب أرعن ورث سجناً كبيراً يديره؛ ويسمى دولة، تعاني الفقر والتخلف، وما تملكه هو حشد من الصواريخ والقدرات العسكرية التي تملك أميركا أضعاف أضعافها.
ما يعني المراقبين هو قائد أكبر دولة في العالم، والذي يتصرف برعونة مثيرة، الأمر الذي يطرح سؤالاً كبيراً عما إذا كان سينجح في تجاوز الدولة العميقة، وارتكاب بعض الحماقات التي ستربك العالم، أم ستتمكن الأخيرة من لجمه أو ترويضه، أم أنها ستبادر -تجنباً للأسوأ- إلى التخلص منه بطريقة ما، لكن النتيجة في كل الأحوال لن تكون إلا ضرباً لهيبة أميركا ونفوذها ومصالحها، وهو أمر جيد بكل تأكيد، فنحن أكثر من تضرر من قوة أميركا وغطرستها. وليت العرب (والقادة الفلسطينيين من ضمنهم) يدركون حقيقة التراجع الأميركي، كما أدركها كثيرون في هذا العالم.;
نقلا عن العرب القطرية