آراء ومواقف

أطفال اليمن.. الضحية الأولى للحرب

بشرى المقطري

جرفت أطراف الحرب في اليمن وحلفاؤها حاضر أهل البلاد، بما في ذلك كل حيلهم اليومية للنجاة، ولم تكتف بذلك، بل حرصت على استهداف حياة الأطفال ومستقبلهم جرفت أطراف الحرب في اليمن وحلفاؤها حاضر أهل البلاد، بما في ذلك كل حيلهم اليومية للنجاة، ولم تكتف بذلك، بل حرصت على استهداف حياة الأطفال ومستقبلهم، مقوّضة بذلك مستقبل اليمن واليمنيين. لا تقتصر فداحة الحرب على الأطفال، كونهم الضحايا الأكثر لأطراف الصراع اليمنية وحلفائهم، بالقتل المباشر أو بالموت جرّاء وباء الكوليرا، وإنما جرّدتهم أطراف الحرب من أشكال الحماية الاجتماعية والقانونية، فضلاً عن تأثرهم بالتبعات المباشرة للحرب، كتدمير طيران التحالف العربي مدارسهم، وتحويل أطفال اليمن إلى متسولين ومعاقين وجرحى، وأدّى انخراط أولياء أمورهم بالقتال ومقتلهم، في أحيان كثيرة، إلى تحمل الأطفال عبء إعالة أسرهم، إما بالعمل في وظائف حقيرة وفي ظروف غير إنسانية وبأجور متدنية، أو بانخراطهم مع أطراف الصراع مقاتلين. لكن الأسوأ من جميع الانتهاكات الممنهجة ضد الأطفال اليمنيين، بما فيها التجارب النفسية المريرة التي يعيشونها، أنهم سلعة رائجة تتاجر بها أطراف الحرب اليمنية وحلفاؤها بطرق مختلفة، فيما يتغاضى المجتمع عن هذه الجرائم، ولا تبالي المنظمات الحقوقية بانتهاكات أطراف الحرب في حق الأطفال اليمنيين، ولا تعتبرها قضية مربحة مالياً.

تتعدّد انتهاكات أطراف الحرب اليمنية وحلفاؤها حيال الأطفال في اليمن، ويشكل الاستخدام العسكري للأطفال أولى هذه الجرائم، إذ تجند أطراف الحرب الأطفال من سن العاشرة وما فوق مقاتلين رئيسيين في صفوفها في الجبهات، أو توظفهم في مهماتٍ مساعدةٍ قد تقضي على حياتهم. تحرص أطراف الحرب على تجنيد المقاتلين الأطفال أكثر من أي فئةٍ عمرية أخرى، وذلك لتغذية جبهات القتال باستمرار، ولتدني كلفتهم المادية، مقارنة بالمقاتلين المدربين، كما أن البيئة المجتمعية الفقيرة والمفقرة في ظل الحرب شكلت عاملاً مساعداً لاستدراج أطراف الحرب هؤلاء الاطفال، وأسهم غياب المساءلة المجتمعية، في ما يتعلق بانتهاكات أطراف الحرب ضد الأطفال في اليمن، بتورّط هذه الأطراف في استخدام الأطفال عسكرياً، بشكل مباشر أو غير مباشر.
“تجند أطراف الحرب الأطفال من سن العاشرة وما فوق مقاتلين رئيسيين في صفوفها في الجبهات، أو توظفهم في مهماتٍ مساعدةٍ قد تقضي على حياتهم”
تؤكد تقارير منظمات دولية، بما فيها منظمة هيومن رايتس ووتش، على اضطلاع جماعة الحوثي بالدور الرئيسي في تجنيد الأطفال اليمنيين، ما جعل من المقاتلين الأطفال الأكثر ضحايا في صفوفها، والأكثر حضوراً في قوائم تبادل الأسرى بينها وبين الأطراف اليمنية الأخرى.
منذ اتساع رقعة الحرب وأقلمة الصراع في اليمن، ترتب على ذلك تعدّد جبهات القتال. ولتغطية نقص مواردها البشرية من المقاتلين، لجأت جماعة الحوثي إلى ضم المقاتلين الأطفال إلى قوام مسلحيها. وفي بداية الحرب، جندت الأطفال من منطقتها الجغرافية، خصوصا من الأسر الفقيرة والمعدمة، مستخدمة التعبئة الدينية لإقناع هذه الأسر بإرسال أطفالها إلى الجبهات، إلا أن استطالة أمد الحرب والخسائر البشرية التي منيت بها جماعة الحوثي جعلها توسع النطاق الجغرافي في استقطاب مقاتلين أطفال جدد، متبعةً أساليب مختلفة، إما عن طريق عقال الحارات الذين تستخدمهم في مهمة جلب هؤلاء الاطفال، أو التواصل معهم عبر مندوبيها وإغرائهم بالمال، وكان يتم إرسالهم إلى جبهات القتال، من دون معرفة أسرهم، وأحيانا تلجأ إلى شرائهم من أسرهم مقابل مبلغ مالي متفق عليه، مستغلةً الظروف الاقتصادية لهذه الأسر. تشكل منطقة الشمال القبلي الفقير، ومديريات مدينة الحديدة، وكذلك قرى شرعب في مدينة تعز ومنطقة العدين في إب، ومنطقة السنينة وأطراف صنعاء، أكثر المناطق التي تدعم جبهات الحوثي بالمقاتلين الأطفال.
لم تعدم جماعة الحوثي الطرق لاستقطاب المقاتلين الأطفال إلى صفوفها، والتي وصلت إلى خطفهم من أسرهم وإرسالهم إلى جبهات الحرب، إذ انتشرت، في بعض المناطق الواقعة تحت سلطة جماعة الحوثي، حوادث مختلفة عن اختفاء بعض الأطفال في ظروف غامضة، على أن ما كشفته تلك الحوادث هو مفاجأة أسرهم بأن أطفالهم أسرى حرب في سجون فصائل المقاومة الداعمة للشرعية اليمنية أو أنهم قضوا منذ زمن في الجبهات.
في سردية أسر ضحايا الأطفال المقاتلين في الجبهات، تبرز قصة الطفل محمد الذي أغرته جماعة الحوثي بالمال مقابل التحاقه في صفوفها، وأرسلته إلى جبهة الحدود اليمنية – السعودية ليقتل هناك من دون علم أسرته التي لم تكن معاناتها الأولى التي تم حصرها، ففي إحدى قرى
“لتغطية نقص مواردها البشرية من المقاتلين، لجأت جماعة الحوثي إلى ضم المقاتلين الأطفال إلى قوام مسلحيها. وفي بداية الحرب، جندت الأطفال من منطقتها الجغرافية” مدينة ذمار، اختفى الطفل علي (14 عاماً) قبل أشهر طويلة، وبلغت أسرته عن اختفائه، ليُفاجأوا بأن جثته في المستشفى العسكري في صنعاء، وأنه كان مقاتلاً في جبهة مدينة تعز. وتشكل صور المقاتلين الأطفال الملصقة في جدران بيوت صنعاء القديمة شواهد لا تخطئها العين على بشاعة هذه الحرب، واتجار أطرافها بالأطفال.
لا تقتصر مآسي الأطفال اليمنيين في الحرب على المقاتلين الأطفال الذين يعودون إلى ذويهم ميتين أو معاقين، ولا حتى المستقبل المظلم الذي ينتظرهم بعد الحرب، إذ تفشّت، أخيرا، ظاهرة الطفلات الزوجات، فخلافاً للعادات المجتمعية التقليدية في اليمن، تنامت في ظل الحرب وبمساعدة أطرافها، تزويج طفلات يمنيات صغيرات للمقاتلين في الجبهات. وعلى الرغم من أن زواج الصغيرات طالما كان ظاهرة يمنية سيئة، وهمّاً مجتمعياً للنشطاء والمنظمات الدولية منذ عقود، إلا أن هذه الظاهرة كانت حصرا على بعض المناطق القبلية مرتبطة بالفقر وسيطرة المرجعيات الدينية المتشدّدة، لكن اللافت أن ظاهرة الطفلات الزوجات في الحرب لم تعد مرتبطةً بظروف الفقر والجهل، وإنما باعتباره “مجهودا حربيا”، حيث تزوج الطفلات الصغيرات لمقاتلين حوثيين في المناطق القبلية، باعتبار ذلك مجهودا حربيا يفرضه شيخ المنطقة على أتباعه، كما أكدت شواهد أخرى زواج بعض مقاتلي السلف في بعض جبهات تعز من طفلات صغيرات.
الاتجار بالأطفال اليمنيين حقيقة واضحة، كحقيقة الحرب التي تدور في اليمن وقذارتها، فيما يتواطأ أطراف الحرب اليمنية وحلفاؤهم بإنكار شواهد جرائمهم ضد الأطفال، ليبقى هؤلاء الأطفال ضحايا مجانيين للرصاص والمدفع والقذائف والغارات، أو ضحايا لقمةٍ ينتزعونها من أطراف الحرب لسد رمق ذويهم.
نقلا عن العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى