اخترنا لكمتراجم وتحليلاتغير مصنف

الأزمة الخليجية وانعكاساتها على الملف اليمني (تحليل)

الأزمة الخليجية القائمة بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، تلقي بظلالها على المشهد اليمني، ويبدو أن تأثيراتها ستطال عدة ملفات يمنية أبرزها ملف التحالف الهش بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي المسلحة.

يمن مونيتور/ تحليل خاص/ من ليث الشرعبي
الأزمة الخليجية القائمة بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، تلقي بظلالها على المشهد اليمني، ويبدو أن تأثيراتها ستطال عدة ملفات يمنية أبرزها ملف التحالف الهش بين الرئيس السابق علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي المسلحة.
تحاول جماعة الحوثي توظيف الأزمة الخليجية لتمكين انقلابها فترة زمنية أطول، وذلك بالتخلص من حليفها صالح الذي أصبحت الجماعة تراه المنافس الوحيد لاستمرار حكمها في العاصمة اليمنية صنعاء، فيما يحاول صالح استغلال الظروف الدولية الراهنة لتقديم نجله لدول الجوار، وتبدو المنافسة بينهما الآن على أشدها، وقد تقود إلى معركة حامية الوطيس.
 
* الإصلاح بعيداً
أدرك عبدالملك الحوثي مؤخرا أن حزب الإصلاح لم يعد يشكل عليه خطرا فعليا بفعل “الفيتو الغربي” القاضي بمنع وصول الأحزاب الإسلامية المعتدلة في منطقة الشرق الأوسط إلى الحكم.
وحزب الإصلاح لن يسعى للوصول إلى السلطة على المدى القريب وربما على المدى المتوسط حتى لا يصطدم ببعض القوى الدولية والإقليمية، وكل ما يطمح له الإصلاح اليوم هو الشراكة في أي حكومة قادمة بغض النظر عن حجمه، وأي اتهامات للإصلاح بالسعي للاستحواذ والاستئثار بالسلطة في ظل المعطيات القائمة فلا تصدر إلا من شخص يفتقد لمتابعة جيدة للأحداث الجارية ومواقف القوى السياسية في البلاد.
المخاوف الخليجية خصوصا والدولية عموما غير المبررة من وصول الإسلاميين للسلطة خصوصا المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، أزاحت عن الحوثي كابوسا لطالما قض مضجعه، وهو حزب الإصلاح الذي يتمتع بثقل شعبي في الساحة اليمنية، وليس له صلة فعلية في الواقع بجماعة الإخوان المسلمين، وفقا لتصريح أكثر من قيادي بالحزب.
ولأن القوى السياسة اليمنية الأخرى وتحديدا قوى اليسار كالاشتراكي والناصري أصبحت نخبوية وتأثيرها في الشارع محدود للغاية، وحضور السلفيين ما يزال ضعيفا وإن كان ينمو، ولأن فصائل الحراك في المحافظات الجنوبية تفتقر لقيادات جامعة ومعظم القيادات المتصدرة للمشهد الجنوبي اليمني ضعيفة الحضور والتأثير، فقد وصل الحوثي إلى قناعة بأن المنافس الوحيد له الآن هو صالح، وبالتالي فإن القضاء عليه سيخلي وجه المجتمع الدولي للحوثي كخيار الضرورة.
 
* “صالح” كبديل
يتزعم صالح حزب المؤتمر ويتمتع بحضور شعبي لا بأس به في الداخل اليمني، شئنا أم أبينا، ومقبول خارجيا إلى حد ما باعتباره أفضل السيئين الموجودين بنظر المجتمع الدولي، وهذا ما يثير مخاوف عبدالملك الحوثي الآن.
وثمة دول أجنبية ترى في صالح مخرجا من الحضور القوي للإصلاح، وللهروب من سيطرة الحوثي كأداة إيرانية سامة، وللتخلص أيضا من حماقات القيادات الجنوبية التي أثبتت فشلها الذريع في إدارة الأوضاع في المحافظات اليمنية الجنوبية، وأفسحت المجال لتغلغل الجماعات المتطرفة.
والإمارات من الدول التي تعول على صالح كبديل مناسب بنظرها، وللإمارات حضور قوي في المشهد اليمني يكاد يطغى على الدور السعودي، وقد أعلنت عن هذه الرغبة بصراحة في مايو الماضي على لسان وزير الدولة أنور قرقاش عندما قال لموقع بريطاني إن بلاده قدمت مقترحا للسعودية وأمريكا وروسيا بإتاحة الفرصة لعودة نجل صالح إلى اليمن “من أجل القيام بدور أكثر فاعلية”.
وتزامنت تصريحات الوزير الإماراتي مع تسريبات صحفية تحدثت عن لقاءات عقدها نجل صالح مع قيادات في التحالف العربي، وهي التسريبات التي لم ينكرها التحالف بصورة رسمية وإنما عبر خبر صحفي منسوب لمصدر في التحالف، وسارع صالح لنفيها في محاولة منه لامتصاص غضب الحوثي الذي بدأ يشعر بالخطر من محاولة قوى دولية مؤثرة فرض صالح.
 
* الحوثي مع قطر
يرى الحوثي أن بقاء صالح خطرا عليه، ويريد التخلص منه حتى يصبح هو الخيار الأول أمام القوى الخارجية بعد أن تأكد له أن بقية المنافسين صاروا في آخر سلم خيارات المجتمع الدولي، ويستحال دعمهم للوصول إلى السلطة في اليمن.
جاءت الأزمة الخليجية فشعر الحوثي أن أمامه فرصة سانحة لتوجيه ضربة قاضية لصالح بالتقرب من قطر التي لديها موقف ثابت تجاه صالح الذي يمثل أحد الوجوه الساقطة بفعل ثورات الربيع العربي التي ساندتها قطر، ومن مصلحة الدوحة الوقوف ضد عودة الرموز الساقطة إلى المشهد من جديد لأن ذلك سيمثل انتكاسة جديدة للربيع الذي دعمته، وأيضا وهو الأهم فإن أي عودة جديدة للأنظمة الساقطة سيمثل انتصارا جديدا للثورات المضادة التي تقودها عدوتها الإمارات.
وقد كان لافتا في الأزمة الخليجية الحالية أن صالح أيد حصار السعودية والإمارات لدولة قطر رغم أن الدول المحاصرة تقود تحالفا عربيا ضد الانقلاب على الشرعية في اليمن والذي يمثل صالح أحد أركانه، بينما وقف عبدالملك الحوثي مع قطر التي تربطه بها علاقات جيدة منذ حروب صعدة.
فالحوثي يسعى إلى دعم قطري لضرب صالح كونه يمثل خنجر الإمارات في اليمن، وتسعى أبوظبي لضرب الحوثي عبر صالح باعتبار الحوثي صديق الدوحة وذراع طهران في المنطقة، وهكذا قد تتحول اليمن قريبا إلى ساحة صراع جديدة لتصفية حسابات بين الإمارات وقطر كما كانت ولا زالت ساحة حرب بين السعودية وإيران.
 
* مؤشرات الصراع
اندلاع حرب بين الحوثي وصالح ستكون مدمرة لأنها بين حليفين يتواجدان على أرض مشتركة وهي مناطق شمال الشمال، وستكون حربا “من طاقة إلى طاقة”، بخلاف الحرب الدائرة التي لا زالت من جبل إلى جبل ومن منطقة إلى أخرى باستثناء حصار تعز الظالم.
ستكون فعلا حربا “من طاقة إلى طاقة”، وهو التعبير الذي استخدمه صالح قبل سنوات لتحذير خصومه السياسيين من الاقتراب من عرشه، فهل تصدق نبوءة صالح قريبا ويكون هو أحد ضحاياها؟!
مؤشرات الصراع بين صالح والحوثي تتصاعد يوميا رغم محاولة الأول اللعب على الحبلين بصورة مكشوفة، ويلاحظ أن صالح يحاول توظيف تورط القيادات الحوثية في قضايا فساد، وغليان الشارع من نهب الحوثي لمرتبات الموظفين.
وتقول مصادر مؤتمرية إن صالح بانتظار الضوء الأخضر من السعودية لبدء المعركة مع الحوثي، وحديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في مايو الماضي كان واضحا عندما سئل في لقاء تلفزيوني عن صالح فقال “لو خرج من صنعاء لبدل مواقفه لأن الحوثيين هم من يتحكمون به حاليا”.
لكن يبدو أن الحوثي يريد أن يتغدى بحزب المؤتمر قبل أن يتعشى به، كما يقول المثل الشعبي، وهذا سر الاستفزازات الحوثية المتصاعدة لأتباع صالح والتي تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
 
* رسائل متبادلة
صالح يرتب وضعه حاليا وعلى تواصل مستمر مع المشائخ والقيادات العسكرية والأمنية بما فيهم القيادات التي نزلت إلى صعدة لحضور دورات دينية حول وجوب محبة “آل البيت”، لكن صالح يحاول مجاراة الحوثي في بعض القضايا كنوع من التمويه مثل التوقيع على ضوابط إعلامية لتكميم أفواه المؤتمريين، وكذلك خروجه مع القيادي الحوثي الصماد لتفقد معسكر لتدريب المليشيات.
ومع ذلك وجه صالح عدة رسائل مباشرة وغير مباشرة للحوثيين، ففي خطابه بمناسبة 17 يوليو ذكرى وصوله للسلطة، تحدث صالح وفي إشارة واضحة لعبدالملك الحوثي بالقول: “لم آت لقيادة الوطن على ظهر دبابة أو بانقلاب عسكري، ولم ننتزعها بقوة السلاح أو بالتهديد والوعيد أو بالإرهاب والعنف، وإنما بإرادة الجماهير وممثليهم في البرلمان”.
وتحدث عن الديمقراطية التي يخاف منها الحوثي قائلا: “على الجميع في كل الظروف والأحوال احترام إرادة الشعب الذي يجب أن يعود إليه الحاكم والمحكوم في القضايا المصيرية، باعتبار أن الشعب هو مصدر السلطة ومالكها، مهما كانت التحديات والمغريات والغطرسة من أية جهات جاءت”.
وقد قوبلت رسائل صالح برسائل حوثية، حيث ألقى عبدالملك الحوثي خطابا بمناسبة ما يسمى بالذكرى السنوية للصرخة، وتطرق للفعاليات التنظيمية التي يقيمها حزب المؤتمر وقال: “لسنا أمام انتخابات مقبلة، لسنا على أعتاب انتخابات، حتى ينشغل البعض بشغل انتخابي، تشهير بالمكونات الأخرى، وإساءات ممنهجة إليها، ومحاولة دائمة للتشويه لها، وكأننا أمام انتخابات”.
وأشار الحوثي إلى عملاء في صفوف المؤتمر يجري استقطابهم، وأضاف: “هناك عامل مهم يتحفظ عليه الإخوة في المؤتمر ولا نرى لهم حقا في التحفظ عليه أبدا، وهو تفعيل الردع القانوني، وأنا أقول للإخوة في المؤتمر الشعبي العام لا يحق لأحد أن يحمي أولئك الخونة من إجراءات قانونية ضدهم”.
 
* صفعة المبادرة
واستمرارا لمسلسل التصعيد، نشرت وكالة سبأ للأنباء الخاضعة للحوثي، الأسبوع الماضي، خبرا رسميا عن تدشين محمد علي الحوثي رئيس ما يسمى باللجنة الثورية فعاليات ذكرى الصرخة، بينما الاتفاقات السابقة بين المؤتمر والحوثي تقضي بتجميد هذه اللجنة كون ما يسمى بالمجلس السياسي قد حل مكانها.
وجاءت المبادرة التي قدمها نواب حزب المؤتمر قبل أيام فزادت الطين بله، فقد تضمنت المبادرة بنودا تدعو الأمم المتحدة لإيجاد آليات رقابة على المنافذ اليمنية تكفل تدفق الإيرادات المالية لصرف مرتبات الموظفين المتوقفة منذ عشرة أشهر.
ولأن المبادرة تقضي بتسليم الموانئ اليمنية للأمم المتحدة فقد أدرك الحوثي أنها هدية مؤتمرية للإمارات التي تعمل على السيطرة عليها، فخرجت قيادات حوثية تصف نواب المؤتمر بالطابور الخامس، ووصل الأمر إلى درجة أن برلمان المؤتمر أقر إحالة نائب موالي للحوثي اسمه أحمد سيف للتحقيق واستدعاء وزير حوثي في حكومة غير شرعية يدعى حسن زيد بتهمة إساءتهما للمجلس.
ولا زالت الأزمة الإعلامية تتصاعد بين حزب المؤتمر وجماعة الحوثي، وغيرها مؤشرات كثيرة تؤكد أن الخلاف بين حلفاء الانقلاب في اليمن قد وصل إلى مراحل متقدمة قد تنذر بمعركة وشيكة بينهما.
وفي تصريح حديث للمتحدث الرسمي باسم الحكومة اليمنية راجح بادي توقع أن ينتهي التحالف بين صالح والحوثي قريبا جدا، وقال: “التحالف بينهما لم يبن على أسس متينة تعتمد المصلحة الوطنية، فهو تحالف شر بالدرجة الأولى، وعادة ما تنتهي هذه التحالفات بالفتنة والمواجهة الحربية بين أطرافها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى