مَنْ مِن الكُتَّاب فكَّر يوماً -ولو بخاطرة عابرة- في الكتابة عن طابع البريد؟ هذه القطعة الورقية الصغيرة الملونة واللاصقة التي لا تساوي في سوق المال الاَّ القليل، ولكنها تحمل مرموزاً وطنياً كبيراً.. هل فكَّر أحد يوماً في أنها تستحق التمجيد أو التخليد؟
مَنْ مِن الكُتَّاب فكَّر يوماً -ولو بخاطرة عابرة- في الكتابة عن طابع البريد؟ هذه القطعة الورقية الصغيرة الملونة واللاصقة التي لا تساوي في سوق المال الاَّ القليل، ولكنها تحمل مرموزاً وطنياً كبيراً.. هل فكَّر أحد يوماً في أنها تستحق التمجيد أو التخليد؟
كان بعضنا -في زمن الطفولة والفُتُوَّة- من هواة جمع الطوابع البريدية (كنتُ أحد هؤلاء).. وكنا نلقى متعة عظمى بمزاولة هذه الهواية، ونجتهد في جمع وتنويع الطوابع واستزادتها وتبادلها مع الآخرين. وكم كانت سعادة أحدنا طافحة عندما تصل رسالة بريدية من مكان ما في العالم الى منزله، فيهرع الى نزع الطابع عن ظرف الرسالة.
ههههههههههههههههههههههههههههههه … يا لها من لحظة رائعة!
وقد حفلت المكتبات حينها بألبومات حفظ الطوابع البريدية الشبيهة بألبومات حفظ الصور الفوتوغرافية. كانت مرتفعة الثمن بحساب ذلك الزمن، لكننا كنا نحرص على توفير ثمنها من مصروفنا اليومي الزهيد، قبل أن تصدر بعد ذلك نوعيات رخيصة . وقد كنتُ -ومثلي كثيرون- أحتفظ بطوابع بريدية صادرة عن السلطات الاستعمارية البريطانية، بعضها يحمل صورة الملكة فيكتوريا أو صورة الملكة اليزابيث ، ويحمل اسماً واحداً ينتصب أعلى الطابع (عدن).. كما أزدانت طوابع أخرى بصور شتى لمناظر طبيعية ومعالم تاريخية وطيور جميلة من عدن ومناطق أخرى.
ثم صدرت نوعية جديدة من الطوابع بعد الاستقلال. كانت في الغالب تتضمن صوراً ولوحات لموضوعات تعكس الوضع السياسي والاجتماعي الجديد الذي شهدته البلاد بعد 30 نوفمبر 1967 ثم بعد 22 يونيو 1969. وبرغم أنني كنتُ ثورجياً جداً وتقدمياً جداً جداً، الاَّ أنني لم أستسغ كثيراً هذه النوعية الجديدة من الطوابع البريدية، وظللتُ أُفضّل عليها طابع الملكة اليزابيث وطابع طائر النورس.
ويبدو أنني بعد فترة ليست مديدة تعرَّضتُ لانقلاب آيديولوجي واستلاب وجداني، فقد أهملتُ هواية جمع الطوابع، وأنغمستُ في هواية جمع العملات.. وأعتقد أن ذلك كان من علامات الانتقال الذاتي والموضوعي من مرحلة الرومانسية الطوباوية الى مرحلة الواقعية المادية!
غير أنني منذ ذلك الحين، وحتى هذه اللحظة، لم أهمل يوماً التفكير في ضرورة الكتابة عن هذا الكائن الوطني الجميل والأصيل: طابع البريد.. برغم أن البريد اليوم صار اليكترونياً -كمعظم الأشياء والخدمات والعلاقات والمراسلات والاتصالات في حياتنا المعاصرة- وهو ما دعا طابع البريد الى الهجرة الى بلاد وبشر لا زالوا يعرفونه ويحبونه ويقدرونه.. فيما صار ساعي البريد من التراث الأثير!
———
هامش تاريخي: عرفت عدن نظام البريد في 15يونيو 1839 ( بعد احتلالها ببضعة أشهر ) .. لكن طابع البريد لم يحمل اسم عدن -بالانكليزية في بادىء الأمر- الاَّ في الأول من ابريل 1937.. فقد كانت الطوابع -حتى ذلك التاريخ- تحمل اسم انجلترا ثم الهند، عندما كانت العملة المتداولة في عدن آنذاك هي الشلن الشرق أفريقي.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.