كتابات خاصة

الساحر يحاول أن يمطر

سلمان الحميدي

في العزلة المجاورة تبدو الأرض جديبة أكثر من عزلتنا. في العزلة المجاورة تبدو الأرض جديبة أكثر من عزلتنا.

إلى العزلة تلك وصل رجل يريد من الناس “مصروف” مقابل أن ينزل إليهم المطر، بأسلوب يشي بتدهور الدجل على تزايد السحرة والمشعوذين.

في زمن الإمامة كان القحط يصيب البلاد، وكان البعض يجمعون الطعام والبقش للذهاب بها إلى “السيد الفلاني” لينزل المطر.

تقول إحدى الروايات: نزل مطر غزير أفزع الناس وأفزع الدجال الإمامي، فذهب الناس يترجونه لتخفيف المطر، فرد: 
«أنا مَاعْرِف إلا مِنَاذَه».

تقول أخرى: أصيبت منطقة في العدين الجبلية المشتهرة بالمدرجات بقحط، أرسلوا للدجال “الطعام والبقش” ليمطرهم، بعد أيام نزل مطر غزير قبل أن يصل رسول المنطقة إلى “السيد” وخرب المدرجات.
في الريف يسمى المدرج الصغير “هوب”.

أرسل أبناء المنطقة مرة أخرى رسولًا إلى الإمام يقولون له: 

«ما نشتيش مطر من هذا.. أمطرنا مطر أهواب».

بين الإمامة والحوثي عقود من الجمهورية، لم نتعلم فيها السحر من الساحر ولا الخير من الراهب.

وأخيرًا حانت أغرب اللحظات في وكر الشيطان: ناصية السوق.

إذ تحول سمسار أسلحة خفيفة إلى شيخ روحاني، ليقطع رحلة طلب الرزق، من روائح البارود إلى تحضير الجن بروائح البخور.

لم يفقد أحد وجهته، السوق بلا واجهة دعائية ولا لافتة على وجه دكان.

المنطقة خالية من معلم بارز، والناس في سوق الخشبة يعرفون نظام السوق الذي ينظم نفسه كما لو أنه قطعة من وول ستريت مع فارق التطور لصالح أمريكا بالطبع. 

إلى جوار الشعار المطموس لصرخة المليشيا: الموت لأمريكا، قام تاجر السلاح الناشئ  بقيادة تحوله المفاجئ، إذ قام بطباعة إعلان دعائي على جدران أحد الدكاكين، الإعلان على اكليشة تم نسخه في أكثر من مكان بمسافة لا تقل عن سبعة كيلو كما اكتشفنا فيما بعد.

تحول الذي كان يدل الشارين على السلاح إلى شيخ روحاني يعالج الممسوسين، سحر، عين، جمع المفترقين، ولو عن بعد عبر الهاتف المذيل أسفل الإعلان.

اجتمع المتفرقون سواءًا من أبناء المقاومة أو أنصار الحوثي للتفكه على اللافتة، ولم يجتمعوا بالشخاطط  كما نقول في تعز،هذا الجمع المتهكم من الشيخ الروحاني، أثبت للمتشككين بأن هناك الكثير من الفرص السانحة للتعايش بين اليمنيين وفي ذروة التناحر اليومي الذي نعيشه.

متحوث من البلاد كان يقرأ الإعلان ويشتم السحرة، ولم يدر في خلده أن اسم الشيخ هو الدلال المماطل الذي اشترى منه البندقية وظل يدفع له قيمتها على ألف وألفين، كما لو أنه يدفع أقساطًا للمؤسسة الاقتصادية.

وحين جاء أحد الأصدقاء ليخبره عن عبيد وكيف تحول إلى شيخ، كانت الدهشة.

سلفي كان صديقًا للرجل قبل أن يطلق لحيته ويعالج عن بعد، قال بأنه ذهب إلى منزله لينصحه، فما كان من التاجر الصغير سابقًا إلا أن طمأنه بأنه يستخدم “جن طيبين”.

تعود للأذهان الحكاية الأسطورية عن كتاب شمس المعارف. وأنا صغير سمعت من يتحدث عن الكتاب بكثير من المبالغة، حتى أن السامع يتخيل نفسه أمام الكثير من الخدع السينمائية التي لم تفطن لها حتى هوليود.

مما قالوه: 

«لو فتحت الكتاب وقرأته ترى العالم المرئي للجن يتحرك داخل الصفحات
إن كنت قويًا ستغلق الكتاب وإن كنت ضعيفًا ستجن».

الكتاب كان بحوزة شخصين في المنطقة، أحدهم قال بأنه أحرقه عملًا بوصية والده، جمع الحطب وأضرم النار ووضع شمس المعارف فيه، لكن الكتاب كان يطير وتسمع اصواتًا تئن من بين السطور، وبعد شق الأنفس قام الولد البار بإحراق الكتاب بعد أن وضع حوله الحطب وأكداسًا من الحجارة السوداء والبترول.

ونحن أطفالًا، قررنا أن نشتري الكتاب عندما نملك المال لأننا تعاركنا بعد مشادات صبيانية ومراهنات بأن “لقوف الجن لا تشبه لقوف الآدميين”.أحد أبناء القيادات المؤتمرية والذي كان يعمل في جيش الإمام البدر كما روى الأجداد، كان يقسم بالله أن الجن يقفون مع الرئيس عبدالله علي صالح ويرفعون صوره، وكنا نحن الذين سمعنا لأول مرة بشخص اسمه نجيب الشعبي، نزل منافسًا لصالح في انتخابات 99 ولم نر صورته قط، كنا نقسم بأن “الجن عراطيط.. لا يلبسون”.

صرنا كبارًا، واختلفت توجهاتنا، إلا أن اعلان السوق قد بعث فينا الخيال ذاته: هل الجن الذين يستخدمهم الشيخ الروحاني تاجر القطع الخفيفة عرايا.. وهل نهود الجنيات في ظهورهن أم في الصدور؟.

لقد استشف البعض ضعف الشيخ، إذ لم يحرس الجان إعلانه، لقد تم طمس الإعلان في السوق بالرنج الأبيض، بالرغم من سماع وشوشات من قيام البعض بحفظ رقم الهاتف سرًا لأوقات الضرورة. المؤمنون بأسطورة شمس المعارف كفروا بالشيخ الروحاني الذي لم يستطع أن يوقف علبة رنج أو يشقق الجدار كرسالة احتجاجية من الجن على طمس إعلانه المقدس.

المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.

*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى