عندما بدأ الحديث عن أن العالم صار قرية كونية بحكم التطور الهائل في التواصل والمعلومات والعولمة، كلما ازداد الشعور بالضيق من الآخرين، ويصبح هاجس الصراع يتشكل حول: من أين أنت؟
عندما بدأ الحديث عن أن العالم صار قرية كونية بحكم التطور الهائل في التواصل والمعلومات والعولمة، كلما ازداد الشعور بالضيق من الآخرين، ويصبح هاجس الصراع يتشكل حول: من أين أنت؟
وكالعادة، فإن حمى التبدل في أدوات الصراع تكرر الحكاية ذاتها حينما تكذب النتائج المقدمات؛ فالقرية الكونية تتفسخ أركانها، وتكتسي لون الهوية تارة والمزيج الثقافي تارة أخرى في سبيل إخفاء صراع الأمكنة والرغبة في الاستحواذ والسيطرة، وكأن العالم يمتد فوق بحر من القلق، تشعله نيران الثروة كالنفط والغاز والمواني والاحتكارات والمصالح الرأسمالية المتداخلة بين عصابات الاستبداد ودول الانفتاح وغسيل الأموال، حيث صارت الأموال المنهوبة مصدر إغراء للجشع والشراكة من تحت الطاولة، مؤامرات تحاك ضحيتها شعوب وأمة وعرق عمال وفلاحين ومهنيين شبكة مترابطة من المحيط للخليج.
الأحداث اليوم هي استدعاء ماسي الماضي لتعكير صفو الحاضر لإعاقة الولوج للمستقبل، بأردية تطول أو تقصر، حسب مقاسات المصالح، يديرها رأسمال، حروب وصراعات لها تجار لا يشبع جشعهم غير استمرارها أطول لفترة ممكنة، حربا بشعارات وطنية وسيادة واستقلال وتحرر من التبعية، وحقيقتها هي حروب لتطويع الشعوب للتبعية، مؤشراتها انقسامات حادة مناطقية جهوية طائفية، كل تلك الأمراض هي وسائل أنهاك الشعوب والأمم، هي وسائل سهل للحشد والتحريض، هي وسائل لخلق بيئة صالحة للاستبداد والهيمنة , هي وسائل تبديد أحلام وطموحات البسطاء وقتل أي بارقة أمل في الأفق تلوح لنكن ضحايا أطماع الآخرين.
يقال إن الجغرافيا علم المكان أي المنطقة، ومن وجهة نظر بسيطة لمحاكاة الواقع، عندما ترتبط القضية بمنظور مناطقي تبعد كثير عن منظورها الإنساني، ويبدأ السؤال من أين أنت؟! وليس من أنت؟! يبدأ التفحص في الأصل والفصل والعرق والقبيلة ويتم التقييم على هذا الأساس.
وعندما تفتقد القضية لإنسانيتها تفقد عدالتها، ويستمر الصراع حول تجزئة المجزئ وتقسيم المقسم، لا يتوقف عند حد معين حتى تضيق الدائرة والانتماء لنعود للقبيلة والعشيرة ويضيع من أيدينا وطن.
هنا الفرق بين من يحمل مشروعه وطني وأنساني وقضية عادلة ويناضل من أجل أن تمتد جغرافيا لأكبر مساحة ممكنة لا حدود تمنعها ولا معوقات تفرض عليها التوقف عند تلك الحدود، وبين من تفرض عليه مصالحة جغرافية ملامح مشروعه السياسي.
ومن الطبيعي أن نختلف لكن من غير الطبيعي أن نتعادى، إن رأيتني عدوا بمنظوري ورؤيتي ومشروعي , فالخلل فيك، لم تكتسب بعد حصانة وعي في قبول الأخر، في أن تكون جزءا من لون الطيف لتثري المجتمع والوطن بجمال الفكر والرؤى والمشروع، حاول أن تبحث عن لغة مشتركة تقربكما معا وتلغي من قاموسكما معنى القطيعة والعداوة، الحياة بحد ذاته شراكة وحب و وئام وتعايش وعدل وإخاء، غير ذلك ليست حياة بل جحيم من الصراعات والحروب والخراب والدمار.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.