كتابات خاصة

في مفهوم التطرف (1)

عبدالله القيسي

أفضل دائما عند الحديث عن أي قضية أن أبدأ بتحرير المصطلح أولا، نظرا لما أجده من خلط وسوء فهم واستغلال لكثير من المصطلحات، ومصطلح التطرف أحد تلك المصلحات التي استغلته السياسة لتحقيق مآربها ولا زالت.. مصطلح التطرف في معناه اللغوي يعني الوقوف عند طرف الشيء أي منتهاه أفضل دائما عند الحديث عن أي قضية أن أبدأ بتحرير المصطلح أولا، نظرا لما أجده من خلط وسوء فهم واستغلال لكثير من المصطلحات، ومصطلح التطرف أحد تلك المصلحات التي استغلته السياسة لتحقيق مآربها ولا زالت.. مصطلح التطرف في معناه اللغوي يعني الوقوف عند طرف الشيء أي منتهاه، وهذا يعني أنه قريب إلى الانزلاق والسقوط، كمن يقف على طرف جبل.. أما التطرف في معناه الفكري فهو تجاوز حد الاعتدال زيادة أو نقصانا، وتجاوز الحد المعقول من المنطق في تفسير الأشياء، ونظرا لأن حد الاعتدال نسبي ومتباين من مجتمع لآخر وفقاً لقيم وثقافة وعادات كل منها، فقد تعددت مفاهيم التطرف إلى حد جعل من الصعوبة بمكان تحديد أطرها أو تحديدها أو إطلاق تعميمات بشأنها، فكل مجتمع يختلف عن الآخر وفقاً لنسق القيم السائد في كل منهما.. فما يعتبره مجتمع من المجتمعات سلوكاً متطرفاً من الممكن أن يكون مألوفاً في مجتمع آخر، فالاعتدال والتطرف مرهونان بالمتغيرات البيئية والحضارية والثقافية والدينية والسياسية التي يمر بها المجتمع، كما يتفاوت حد الاعتدال والتطرف من زمن إلى آخر، فما كان يُعد تطرفاً في الماضي ربما لا يكون كذلك في الوقت الحاضر.

ومع ذلك حاول بعض الباحثين التوصل إلى تعريفات لمفهوم التطرف، منها: أنه “اتخاذ الفرد موقفاً متشدداً يتسم بالقطيعة في استجاباته للمواقف الاجتماعية التي تهمه، والموجودة في بيئته التي يعيش فيها هنا والآن؛ وقد يكون التطرف إيجابياً في القبول التام، أو سلبياً في اتجاه الرفض التام، ويقع حد الاعتدال في منتصف المسافة بينهما”. كما استخدموا مفهوم التطرف في الإشارة إلى الخروج عن القواعد الفكرية والقيم والمعايير والأساليب السلوكية الشائعة في المجتمع، مُعبراً عنه بالعزلة أو بالسلبية والانسحاب، أو تبني قِيَم ومعايير مختلفة، قد يصل الدفاع عنها إلى الاتجاه نحو العنف في شكل فردي أو سلوك جماعي منظم، بهدف إحداث التغيير في المجتمع وفرض الرأي بقوة على الآخرين. فالتطرف تكمن خطورته بشكل أكبر حين يتحول من مجرد فكر إلى سلوك ظاهري أو عمل سياسي، يلجأ عادة إلى استخدام العنف وسيلة إلى تحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفكر المتطرف، أو اللجوء إلى الإرهاب النفسي أو المادي أو الفكري ضد كل ما يقف عقبة في طريق تحقيق تلك المبادئ والأفكار التي ينادي بها هذا الفكر المتطرف”. والفكر المتطرف شأنه شأن أي نسق معرفي، هو ظاهرة اجتماعية تتأثر وتؤثر في غيرها من ظواهر، مرتبطة إلى حد كبير بالظروف التاريخية والسياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من ظروف يتعرض لها المجتمع.
والتطرف ليس مقصورا على التطرف الديني كما يظهره الإعلام اليوم، فقد ظهرت كثير من الجماعات والأحزاب المتطرفة خلال القرن العشرين ولم تكن ذات توجه ديني كالفاشية والنازية، وهذا يعني أن التطرف قد ينشأ في بيئة سواء كانت دينية أو غير دينية، إذا ما توفرت أسبابه وتهيأ مناخه، كما أن التطرف ليس مقصورا على دين بعينه كما يحاول اتجاه غربي ربطه بالإسلام، في تغافل عن أفراد وجماعات متطرفة تنتمي إلى اليهودية أو المسيحية، وأمثلة ذلك كثيرة ولن أطيل في تكرارها، فما تعمل بعض الجماعات في إسرائيل كاف لمن كان له نية في فهم المشكلة.
والتطرف ظاهرة قديمة وجدت عند كل المجتمعات، ففي كل مجتمع ستجد متطرفا هنا أو هناك، ولكن أن تصير جماعة منظمة تمارس الإرهاب على الآخرين، هذا قد يكون أقل انتشارا في المجتمعات من تطرف الأفراد.
من مظاهر التطرف التي صارت واضحة اليوم هو التعصب للرأي تعصباً لا يعترف للآخرين برأي، وكذلك التشدد والغلو في الرأي، ومحاسبة الناس على الجزئيات والفروع والنوافل، كأنها فرائض، والاهتمام بها والحكم على من أهملها بالفسق أو الكفر. ومنها أيضا سوء الظن بالآخرين والنظر إليهم نظرة تشاؤمية لا ترى أعمالهم الحسنة، وتضخم من سيئاتهم، فالأصل عنده هو الاتهام والإدانة!!
قد يكون مصدر ذلك هو الثقة الزائدة باعتقاده والعجب بإيمانه و التي قد تؤدي في مرحلة لاحقة بالمتطرف إلى ازدراء الغير حتى يسقط عصمتهم ومن ثم يستبيح دمائهم وأموالهم، فهم بالنسبة له متهمون بالخروج عن الدين، وتصل دائرة التطرف مداها في حكم الأقلية على الأكثرية بالكفر والإلحاد!!
ومن أهم مظاهر التطرف ما نراه اليوم لدى بعض الجماعات الدينية التي تحاول فرض معتقداتها على باقي أفراد المجتمع أدعاءً منها أنها تقوم بحراسة الدين وتطبيق شرائعه، وهذا يعد من أشد أنواع التطرف خطورة حيث تُجيز هذه الجماعات لنفسها تكفير فئة أخرى (أو مذهب أو طائفة) ومصادرة حق أبنائها في الحياة من خلال أطلاق فتاوى التكفير وإهدار الدماء والقتل عليها، وقد انتشرت هذه الجماعات بكثرة في مجتمعاتنا العربية.. مرة كان انتشارها طبيعيا كأي ظاهرة تجد ما يغذّيها من الفكر، ومرة تديرها وتنفخها أجهزة ومخابرات ترى أن أفضل استثمار لتحقيق سياساتها هو الاستثمار في التطرف، فبدل أن يعالجوا الظاهرة أعادوا خنجرها إلينا، فصرنا بين خنجرين، خنجر التطرف وخنجر “استثمار التطرف” الذي يسمى مجازا “محاربة التطرف”!!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى