كتابات خاصة

سيناريو للبيع!

حسن عبدالوارث

عبدالرحمن، شاب عربي عائد من حرب “الجهاد” تحت لواء تنظيم “القاعدة” في أفغانستان. قُرِّرتْ له الاقامة في اليمن. تراه يتجوَّل في شوارع صنعاء، يرتاد جوامعها ومقاهيها بكل حرية وثبات خُطى، فيما يواصل اتصالاته ومراسلاته مع زملاء الحرب المقيمين في اليمن وخارجها، استعداداً منهم لاستئنافها في أرض ٍ جديدة، لحظةَ أن تصل الأوامر من “الأمير”.

عبدالرحمن، شاب عربي عائد من حرب “الجهاد” تحت لواء تنظيم “القاعدة” في أفغانستان. قُرِّرتْ له الاقامة في اليمن. تراه يتجوَّل في شوارع صنعاء، يرتاد جوامعها ومقاهيها بكل حرية وثبات خُطى، فيما يواصل اتصالاته ومراسلاته مع زملاء الحرب المقيمين في اليمن وخارجها، استعداداً منهم لاستئنافها في أرض ٍ جديدة، لحظةَ أن تصل الأوامر من “الأمير”.
عمر (سمير سابقاً) صديق عبدالرحمن الحميم -أو الأنتيم بلغة حي حدة- وزميله الصميم في ميدان أفغانستان. يصحو كل فجر ليُصلّي في جامع صغير في أحد أزقة حي القلوعة الشعبي في مدينة عدن، ثم يهرع بعد الصلاة للسباحة في شاطىء جولدمور قبل أن يذهب لصيد السمك في الشطّ المقابل لمعسكر جبل حديد. بعدها يتجول دون مرام في شوارع حي كريتر، مرتاداً -بين الفينة والأخرى- مجمع عدن مول الاستهلاكي، أو محتسياً الشاي في مقهى كُشر لأنه يرفض احتساءه في مقهى سكران بسبب التسمية! .. ومواصلاً -في الوقت نفسه- المهاتفة مع عبدالرحمن وعبدالقيوم وأبي حذيفة وغيرهم في بلاد عديدة.
بعد فترة، تصل الأوامر من “الأمير”. يتم التنسيق الدقيق والمحترف بين عبدالرحمن وعمر والآخرين على تشكيل تنظيم “جهادي” في اليمن، ثم …..
.
.
.
هذا بورتريه من سيناريو سينمائي أنجزته قبل عقدين من الزمان، ثم أهملته في أحد الأدراج، مكتفياً بمتابعة تنفيذه على أرض الواقع من دون انتاج ولا اخراج ولا تصوير ولا مونتاج. وكنتُ قد نويتُ حينها الاتصال بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية لتمويل انتاجه.. فالسيدة CIA على أتم الاستعداد دائماً لتمويل أية عملية ارهابية -سينمائية أو مخابراتية أو عسكرية أو اعلامية، لا فرق! – تستهدف مراميها في أية منطقة في العالم، لاسيما الشرق الأوسط.. فالغاية تُبرِّر الوسيلة في عُرْف الوكالة الأسطورية التي تُجنِّد مرتزقة -من كل جنس ودين ولون- للقيام بعملياتها القذرة، في ساحات الحروب أو شاشات السينما أو صفحات الصحف أو قاعات التنظيمات.. فميدان المعركة -لدى الوكالة أيّاها- ليس له حدود، فأوله قاع الأرض وآخره عنان السماء!
فهي التي نصبت خيام “الجهاد المقدس” في جبال ووديان أفغانستان -في ثمانينيات القرن الماضي- لضرب بؤر التواجد السوفياتي هناك، في حرب بالانابة خاضها العرب والمسلمون ضد عدو أمريكا الأول، تحت يافطة “عدو” الاسلام الأول. وهم -العرب والمسلمون- سدَّدوا فاتورة هذه الحرب، من دماء فتيانهم ومن أموال نفطهم ومن سمعة عقيدتهم التي تلطخت تماماً بعد أن أحالت تلك الوكالة مصطلح “جهاد” -في الطبعة الأمريكية الجديدة من القاموس السياسي- الى مفردة “ارهاب”!
وتلك الوكالة هي التي دفعت “المجاهدين” دفعاً إلى التشرذم والتقاتل في ما بينهم -تحت شعارات ومبررات وفتاوى ومعتقدات شتى- بعد أن أستنفدت غايتها الأولى منهم.. فتفرَّخت في حاضنتها تنظيمات، وتفقَّست كتائب، وأرْيَشَتْ خلايا عنقودية.. فصارت ثمة “طالبان” وثمة “القاعدة” وثمة وثمة وثمة غيرها الكثير من المُسمَّيات المولودة من الرحم الأمريكي الخصب.. ثم تجنَّحت الأجنحة، وتشظَّت الشظايا، وتناسلت الخطط والخرائط وقواعد البيانات وقواعد الاشتباك، حتى أختلطت الرؤى في النخاع الشوكي المحوري فانقلب السحر على الساحر!
.
.
.
يصل السيناريو الى المشهد الأخير، حيث السيد والخادم في حلبة المواجهة المصيرية:
كلٌّ منهما يشهر سلاحه في وجه الآخر .. ويطلق النار (ليل داخلي/ بصيص نور خافت ينبعث من زاوية غير محددة الاتجاه ولا المعالم).
تقترب الكاميرا في وضع “زوووم” من رقعة شطرنج تتبدَّى عادية الحجم، ثم تبدو بالغة الضخامة. قِطَعُها ليست من خشب وانما من بشر. الدماء تسيل بغزارة على رقعة الشطرنج. تندلق الدماء من حافّتها إلى الأرضية التي تكسوها قِطَع رُخامية مربعة بيضاء وسوداء كأنَّها رقعة شطرنج هي الأخرى!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى