اخترنا لكمتراجم وتحليلاتتقاريرغير مصنف

الكوليرا.. كيف عاد من العالم القديم ليغزوا أرواح اليمنيين؟!

يعرف مرض الكوليرا بكونه قادم من العالم القديم حيث “الجدري والطاعون” والذي يظهر بأنه أُبيد تماماً في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيَّة، ومن النادر جداً وجوده لكنه في اليمن أدى إلى وفاة 1724 حالة منذ 28ابريل/نيسان الماضي بالإضافة إلى إصابة أكثر من 300 ألف حالة. مايعني 7آلاف حالة يومياً.

يمن مونيتور/ صنعاء/ ترجمة:
يعرف مرض الكوليرا بكونه قادم من العالم القديم حيث “الجدري والطاعون” والذي يظهر بأنه أُبيد تماماً في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكيَّة، ومن النادر جداً وجوده لكنه في اليمن أدى إلى وفاة 1724 حالة منذ 28ابريل/نيسان الماضي بالإضافة إلى إصابة أكثر من 300 ألف حالة. مايعني 7آلاف حالة يومياً.
فكيف عاد هذا الوباء المخيف؟!
للإجابة على هذا التساؤل نشرت صحيفة الغارديان تقريراً عن هذا المرض الذي يقولون إنه من أمراض العالم القديم التي رحلت واختفت، مثل الطاعون والجدري. لكنَّه يستمر في تدمير المجتمعات في أماكن أخرى، وفي بعض الحالات يصل الأمر إلى مستوى الوباء، مثل اليمن.
ويقول جيسون هاريس، أستاذ طب الأطفال المساعد في مستشفى ماساتشوستس العامة للصحيفة البريطانية : “الكوليرا عدوى وحشية. فيمكن للمرضى أن يبدون أصحاء ثم يموتون بسرعة بسبب الكوليرا. إنَّه مرضٌ مخيف”.
 
بداية الانتشار والاهتمام
في بدايات القرن التاسع عشر، حين انتشرت الكوليرا في كل قارات العالم تقريباً، وقتلت الآلاف من البشر، هرع العلماء لأجل فهم المرض. ولأجل ذلك في عام 1854، أجرى الطبيب البريطاني جون سنو أولى الدراسات الوبائية التي قررت أنَّ المياه التي تخرج من إحدى المضخات في شارع برود ستريت كانت سبب إصابة سكان لندن بالكوليرا لكنَّه لم يكتشف السبب الحقيقي؛ فقد كان الاعتقاد السائد وقتها أنَّ المرض سببه الميازما، ( نظرية قديمة ترجع سبب الأمراض لشكل مؤذ من أشكال “الهواء الفاسد”، وأصبحت غير مقبولة من العلماء حاليا) وليس الميكروبات. وفي عام 1884، درس الباحث الألماني روبرت كوخ أمعاء المرضى الذين ماتوا بسبب الكوليرا في مصر والهند، وتوصل إلى أنَّ بكتيريا ضمة الكوليرا الواوية التي وجدها هي سبب المرض.
في السنوات التالية، اكتشف العلماء الكثير عن بيولوجيا الكوليرا. وكان سنو محقاً؛ فبكتيريا ضمة الكوليرا تنتشر بواسطة المياه الملوثة.
وفي غضون أقل من 12 ساعة أو5 أيام، يبدأ ظهور الأعراض على بعضٍ من الذين ابتلعوا البكتيريا، والأعراض هي قيء وإسهال خارجين عن السيطرة. لكنَّ 80% من الذين يبتلعونها لا تظهر عليهم الأعراض، ومن المحتمل أنَّ ذلك بسبب مناعتهم ضدها.
ويقول هاريس إنَّ أكثر أجزاء المرض إخافةً هي السرعة التي تتدهور بها حالة المريض. فلو لم تُعالَج الحالة سريعاً، يمكن للمرضى أن يموتوا من الجفاف خلال ساعات من ظهور الأعراض.
ويضيف هاريس: “كمية السوائل التي يفقدها المرضى بسبب الإسهال والقيء مروعة. من الصعب تصديق ذلك دون رؤيته”. وقد يصل معدل فقد السوائل إلى لترٍ في الساعة.
  
المصادر المائية
في وحين يزداد عدد الذين يتغوطون البكتيريا في المصادر المائية، يزداد عدد المصابين، وليس من الصعب رؤية كيف يمكن لحفنة من الحالات أن تتحول إلى وباء يمكن أن يستمر عقوداً (في القرنين الماضيين، انتشرت الكوليرا سبع مرات وتحولت إلى وباء).
آخر الأوبئة بدأ في إندونيسيا في ستينيات القرن الماضي، وانتشر في آسيا وأفريقيا، قبل أن يصل إلى أوروبا عام 1973. وبحلول عام 1991، كان الوباء قد وصل إلى أميركا اللاتينية، التي كانت خاليةً من الكوليرا لأكثر من قرن. وقد سُجِّلَت العام الماضي 400 ألف إصابة و4 آلاف حالة وفاة في 16 دولة بالأميركتين.
في وقتنا الحالي، لا تؤدي الكوليرا إلى ما يشبه عقوبة الإعادم. إذ يعرف الأطباء كيف يعالجون الكوليرا علاجاً فعالاً.
وإذا تمكن المريض من الوصول إلى أي مستشفى في الوقت المناسب، فالعلاج دقيق جداً. وحين يُحقن المريض بالسوائل والمضادات الحيوية بسرعة، يعود عادةً إلى حالته الطبيعية خلال أيام. وهناك أيضاً تطعيمٌ يؤخذ عن طريق الفم، ويمكنه أن يمنع انتشار العدوى في 60% من الناس.
لكنَّ هذه البساطة الظاهرة خادعة؛ فكل هذه المعرفة أمر، وإيقاف المرض أمرٌ آخر.
 
خارطة الكوليرا هي خارطة الفقر
ويقول دومينيك ليغروس، قائد فريق الكوليرا في منظمة الصحة العالمية: “خارطة حالات الكوليرا هي إلى حد كبير خارطة الفقر. لم تزل توجد الكوليرا في أماكن مثل اليمن لأنَّ الناس لا يملكون مياهاً نقية”. وربما يعلم الذين يعانون الفقر أنَّ شرب المياه الملوثة قد يصيبهم بالمرض، لكنَّهم لا يملكون بديلاً.
ويقول هاريس: “بسبب عدم المساواة وانعدام وجود المياه النقية ومرافق الصرف الصحي، ما زال أكثر من مليار شخص معرضين للإصابة بالكوليرا”.-حسب ما ذكرت ترجمة لموقع هافنغتون بوست بالعربية.
لذا تستمر الأوبئة. وفي بعض الأماكن، مثل زامبيا وأوغندا، يمكن توقع تفشي الكوليرا، والتي تبدأ كل عام في موسم المطر. لكن في معظم الأحيان لا يمكن توقع انتشار الأوبئة. فهناك عوامل قد تزيد من احتمالية انتشار الوباء؛ كالكوارث الطبيعية التي يمكنها أن تشتت المصابين، مما يؤدي إلى تلويث مصادر مياه أكثر، ويمكن للحروب أن تغلق العيادات التي كان من الممكن أن تساعد المواطنين على تلقي العلاج، أو أن تمنع استيراد العلاج المطلوب.
لكنَّ هذه العوامل يمكن بالكاد توقعها. فمثلاً، بعد زلزال عام 2010، استنتج علماء الأوبئة الأميركيين أنَّ احتمالية انتشار وباء الكوليرا في هاييتي كانت منخفضة، وبعد شهرين، انتشر الوباء بقوة، وكان أحد أسباب ذلك أنَّ قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة نقلت البكتيريا هناك بالخطأ.
 
الاضطراب السياسي يغذي الكوليرا
الوباء في اليمن تغذيه سنواتٌ من الاضطراب السياسي. والموقف رهيب؛ إذ تُقدر منظمة الصحة العالمية أنَّ عدد المصابين حتى نهاية يونيو/حزيران 2017 وصل إلى 250 ألف شخص تقريباً، وهو تقريباً ضعف التقديرات السابقة القائمة على النماذج الأكاديمية، بينما ارتفع العدد في الثلث الأول من يوليو/تموز 2017 إلى 300 ألف شخص.
ويعمل موظفو منظمة الصحة العالمية مع منظماتٍ غير ربحية أخرى، ومع ما تبقى من نظام الرعاية الصحية اليمني، من أجل إيصال العلاج إلى العيادات الريفية لمساعدة الناس على تلقي العلاج في وقتٍ أسرع. وهذا الأسبوع، خصص فريق التنسيق الدولي في المنظمة مليون تطعيم ضد الكوليرا لكي تُرسَل إلى اليمن.
هذه الاستراتيجيات، إلى جانب حملات التوعية حتى يعرف الناس المعرضون للإصابة بالكوليرا كيف يعالجون المياه (بالغلي، أو بأقراص الكلور)، يمكنها أن تقلل نسب الإصابة.
لكن هذه الإجراءات لا تعالج المشكلة الرئيسة: انعدام المياه النظيفة. إذاً فالحل الذي يمكنه استئصال الكوليرا لا يكمن في القطاع الصحي. ويقول ليغروس: “نعم، نحتاج إلى أن نعالج المرضى ونمنع الموت. لكنَّ العلاج طويل الأمد هو القطاع التنموي: توفير مرافق صرف صحي للناس على المدى البعيد”.
في بعض البلاد يمكن حدوث هذا قريباً. لكن في بلادٍ أخرى، مثل جنوب السودان والصومال، تبدو فكرة توفير المياه النقية لكل السكان بعيدة المنال.
وحتى يأتي اليوم الذي يتاح فيه للجميع المياه النقية ومرافق الصرف الصحي، سيعمل الباحثون لإجابة المزيد من الأسئلة حول المرض. أحد تلك الأسئلة هو كيف، أو هل، يمكن لبكتيريا ضمة الكوليرا أن تستمر في البيئة.
ويقول ليغروس: “في أماكن مثل تشاد أو الساحل الأفريقي الغربي، نكاد لا نرى أي حالات كوليرا لسنواتٍ عديدة، ثم ينفجر الوباء. يصعب شرح هذا. ويقول البعض إنَّ هناك مخزوناً في البيئة يبقى عبر السنين، لكنَّنا لا نعرف كيف، وفجأةً ينفجر مجدداً، ولا نعرف كيف أيضاً”. ويتساءل هاريس أيضاً عن كيف يمكن لتطور البكتيريا أن يكون قد أثر على شدتها وقدرتها على التسبب في الأوبئة.
وبينما يعمل الباحثون لإجابة تلك الأسئلة، وتتحرك الدول ببطء نحو تطوير البنى التحتية، سيضطر موظفو الصحة العامة إلى محاربة الأوبئة الجديدة.
ويقول هاريس: “أتمنى أن يُقدر الناس مدى أهمية خطر الكوليرا وجديته. وعلى الذين يظنون أنَّه مرضٌ تاريخي أن يعرفوا أنَّه ما زال من أهم الأشياء التي تسبب المرض والموت في العالم”.
المصدر الرئيس
Diarrhoea, vomiting, sudden death … choleras nasty comeback

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى