كتابات خاصة

وطنٌ تحت الركام

إفتخار عبده

   من خلف ذلك الحائط الكبير، أردتُ أن أتسلل؛ لأبحث عن مقصدٍ قريب.. مددت خطواتي بكل شوق وعينين تلمعان بالمحبة.    من خلف ذلك الحائط الكبير، أردتُ أن أتسلل؛ لأبحث عن مقصدٍ قريب.. مددت خطواتي بكل شوق وعينين تلمعان بالمحبة.
هي مسافة طريقٍ وسأصل إلى ذلك المكان المقصود لأبحث عن أناسٍ فيه لطالما هزهم الموتُ آلاف المرات، ولطالما زارهم الفناء لمراحل متواصلة.

تقدمتُ قليلاً؛ عليّ أن أصعد ذلك الحائط العالي الصلب،

وفعلاً صعدت ووصلتُ إلى أعلاه بعد عناءٍ ومشقة، وقمت حينها بنفض غبار يدي والأتربة العالقة على ملابسي إثر صعودي هذا الحائط، وكانت الرياح تصفع وجهي بقوة وعنف.. تكاد تنفض إلى الخارج مرة أخرى!

نظرتُ إلى أسفل الحائط.. يا إلهي إنه المكان الذي أبحث عنه منذ وقت، وهؤلاء الناس معروفون لدي منذ القدم.. إن ملامحهم  تنبىء عن شيء غير بسيط بينهم.

ترى هل جميعهم تربطهم أواصر القربى، ولِمَ الصمتُ مخيمٌ عليهم إلى هذه الدرجة؟ كانتا عينيّ ترقصان فرحاً وتجوبان أطراف المكان بكل شوق.. توقفت عينيّ على أحد أقاربي  يقطن في تلك الزاوية من المكان، تبسمتُ بفرحٍ شديد  ولوحت له بيدي لكنه لايتكلم ، وضعتُ يدي اليمنى على حاجبيّ لأدقق النظر فيه،  فوجدته مقيداً وعلى فمه لاصقٌ يمنعه من التحدث، عليه آثار ضرب مبرح ودماء تنسال من خديه!!

زاد صمتي وقل فرحي، تلفتُ مرةً أخرى لتقف عيناي على أطفالٍ يبحثون عن الطعام في تلك الزاوية الأخرى  بين أكياس النفايات، لم أصدق ما أرى!!

أردتُ أن أهرب من هذا المنظر فوصلت عيناي على مجموعة من الناس قتلتهم حرارة الشمس وأخدت الريح رونقهم.. يرفعون أكفهم إلى السماء، أردت أن أهرب ثانية من هذا المنظر المحزن والرياح تعنفني بكل قوة.. نظرتُ إلى بقعة يسكنها أناسٌ غلظاء، نظراتهم مخيفةٌ للغاية يحملون الأسلحة الثقيلة، ينظرون  إليّ تارة وإلى الأسرى تارة أخرى وكأنهم يريدون أن يخبروني بأني بعد دقائق سأصبح بين أولئك الأسرى.

ارتعدتْ قواي وأردتُ الهروب بجسدي لكني لم أستطع ،هربتُ بنظري علني أرى منظراً مريحاً بين ثنايا الموت هذا، توقفت عيناي على مجموعة من الناس قد أُصيبوا بتخمةٍ كبيرة يجلسون على أرائكَ جميلة ومزينة تبدوا على وجوههم علامات الراحة المادية على غير مارأيتُ في تلك الوجوه الشاحبة، أردتُ أن أتبسم فمنعتني ذلك  نظراتهم الشريرة وضحكاتهم المقززة ، تطيرتُ بهم وأردت الهروب، أدرتُ ظهري لهم جميعاً لأقفز من على الحائط لأعود إلى حيث أتيت، فاجأتني رصاصةٌ من تلك الجماعة المسلحة أسقطني فوصلتُ إلى جانب امرأةٍ جميلة تحتسي فنجان قهوةٍ تفوح رائحتها في زوايا المكان  ،ضممتني إلى حضنها بكل أسف وأرادتْ أن تضمد جرحي فرفضتُ ذلك وسألتها مالذي يحدث هنا أنا لم أجد منظراً واحداً مريحاً يسر عيني، دعيني لا أريد البقاء على قيد الحياة أرجوك دعيني، قالت بصوتٍ هادئ!

*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى