أسأل الله ألا أموت.. إلا وقد خضبت سيفي بدماء العصريين”.. قالها أحمد بن يحيى حميد الدين حين كان ولياً للعهد عقب حركة الدستوريين ضد نظام والده عام 48. أسأل الله ألا أموت.. إلا وقد خضبت سيفي بدماء العصريين”.. قالها أحمد بن يحيى حميد الدين حين كان ولياً للعهد عقب حركة الدستوريين ضد نظام والده عام 48.
وتذكيراً نقول: كانت حركة طموحة مغامرة، قياساً بذلك الزمن الصعب، حيث ظروف اليمنيين الأكثر من متردية. كانت حركة نخبوية شوروية إصلاحية، في وسط مكرس بالتخلف والعصبية وسرعة تصديقه للدعاية المضادة.
لكنها سرعان ما فشلت، بسبب تحشيد ولي العهد لأحقية حكم أسرته، والتراخي في تثبيت دعائمها و سوء التخطيط والاعتماد على تأييد الجامعة العربية في ظل وقوف معظم الأنظمة الملكية العربية ضدها خوفاً من انتشار مطالب الانفتاح والنهضة والشراكة.
وبالرغم أن ما قامت به الحركة وصف كأول ثورة عربية، إلا أنه ظل يؤخذ عليها طريقة إغتيال الإمام يحيى وهو الكهل المريض الذي تجاوز الثمانين -مع نجليه وحفيده أيضاً- بينما استغل ابنه احمد الموضوع لصالحه ليكسب تعاطفاً كبيراً باعتباره اغتيالاً مشيناً لوالده –ظل الله في الأرض كما كان يتم التعامل معه من قبل مؤيدي حكمه الكهنوتي آنذاك- وبالمقابل تخوفت الأنظمة الملكية العربية من إمكانية أن تطال عروشها ذات الطريقة طبعاً. بينما كانت خطة الحركة في البداية انتظار موته بشكل طبيعي.
ولقد أعلنت الحركة التي لم تستمر شهراً واحداً ميثاقاً للحكم، ومجلس شورى لأول مرة في تاريخ اليمن من كل النخب حينها ومختلف طبقاتهم، كما نصبت إماماً آخر رغم أنه كان أحد أهم أذرع الإمام السابق لولا الاختلاف الطارئ على طريقة إدارة الحكم، بينما كان للإخوان المسلمين نشاط في الحركة، الحركة الدستورية التي دعمها تنظيرياً ومالياً في الوقت نفسه مثقفون وتجار بنوازع فكرية أقرب لليبرالية إذا جاز التشبيه.
حينها كانت الدعاية المضادة تبث في أوساط الشعب المقهور والمستلب أن رجال الحركة غايتهم تحريف القرآن، تماما كما فعلت الدعاية المضادة للاماميين عقب ثورة 26 سبتمبر حيث كانت لفظة جمهوري أكبر من شتيمة وكفرا.
ومن نتائج فشل حركة 48 الذريع سقوط صنعاء بيد الطاغية أحمد وقبائله التي استباحتها كمكافأة منه على مناصرتها له وموالاته لتفتك فيها سلباً ونهباً وترويعاً.
كما تم القبض على أبرز قيادة حركة 48م الذين لم يتمكنوا من الفرار إضافة إلى قطاع واسع من الضباط والعلماء والطلاب والمشائخ والأدباء المواليين لها، لتتم عملية الإعدامات للعشرات وجلد آخرين يومياً ومصادرة أملاك الغالبية وترهيب أهاليهم والمناصرين لفكرتهم في الملكية الدستورية.
وأما من نجى من أحرار الحركة بعد فشلها فقد كان له دور بارز في الثورة الأم سبتمبر 62م التي أعلنت الجمهورية وأنهت النظام الملكي الكهنوتي الغاشم الذي كان سائداً للأبد.. مع أن مجمل الذي حصل-جوهرياً- بعد حدث سبتمبر العظيم وعلى مدى 5 عقود هو استمرار إدارة الجمهورية بعقلية أكثر شبهاً بالعقلية الملكية البائدة.. والمعنى -إذا جاز الوصف- أن كل الأنظمة التي تعاقبت من بعد مقولة أحمد أعلاه، هو أنها استمرت لا تمضي إلا وقد خضبت سيفها بدماء العصريين للأسف!
ولئن كان كل عصري برؤيته حسب المكان والزمان يتعامل مع الحاضر من أجل المستقبل الأفضل، كان كل نظام بطريقته الاقصائية يتعامل بالقمع مع العصريين المارقين!
فبحسب البردوني، “كان الأئمة يلقبون الثوار بلقبين فإذا كانوا مقاتلين لقبوهم بالمارقين، وإذا كانوا جدليين من طبقة مثقفة نعتوهم بالنواصب، وحين تقوى شوكة أولئك المتمردين ويهزمون جيش الإمام كان يطلق الإمام ودعاته وصف السحرة على قادتهم!
كما اتصف بصفة السحر ثلاثة من أشهر المثقفين في القرن السابع عشر والثامن عشر الميلادي، فاتصف محمد ابراهيم المحطوري بأنه ساحر “مدوم” نسبة الى جبل مدوم” بحجة الشرفين” الذي اعتصم به مع اصحابه
واتصف الفقيه سعيد الصوفي بساحر إب لأنه جيَّش الثوار من هناك وعززهم بالزعارين وقاتل جيوش الإمام مدة سبعة أشهر حتى لاقى مقتله في يريم، كما اتصف بصفة السحر عبد الرحمن حسن الغرسي مع أنه لم يعلن خروجاً ولا قتالاً، وإنما كانت له كثرة من المريدين ينشرون محامده واقتداره على التحكم في الجن وفي الأدواء المستعصية.
وبعد جلاء الغزوة التركية الثانية لحقت بالثوار صفات رسمية دينية خالصة، فمن بداية العشرينات إلى ثورة سبتمبر 62 كان القصر الإمامي يلقب أصحاب كل حركه بالمفسدين، إلى حد أن عبارة مفسد أو مفسدين صارت رديفاً للبطولة الشعبية!، لأن الذي يغالب الأقوى منه أشجع منه، إلى جانب هذه النعوت تجدد نعت آخر في آخر الأربعينات بتأثير الانقلاب الدستوري إذ صارت عبارة “دستوري” تضاهي أبذأ اللعنات”.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.