كتابات خاصة

صنعاء الوفية

عبدالرحمن الظفري

وانا صغير كنت دائما ما اسمع عن صنعاء، كان والدي يجهز اشياءه للسفر ويخبرني أنه مسافر إلى صنعاء يعود ومعه هدايا من هناك؛ وكطفل أحببت صنعاء حينها لأن أبي يعود ومعه هدية من هناك.

وانا صغير كنت دائما ما اسمع عن صنعاء، كان والدي يجهز اشياءه للسفر ويخبرني أنه مسافر إلى صنعاء يعود ومعه هدايا من هناك؛ وكطفل أحببت صنعاء حينها لأن أبي يعود ومعه هدية من هناك.

كان يزورها لحاجة أو لمرض مع أعمامي أو الأهل، فكان اسم صنعاء يتردد كثيرا، وكذلك في الاذاعة والتلفزيون.
فقبعت في ذاكرتي من ذلك الوقت..
أول مرة زرت فيها صنعاء وكان ذلك برفقة والدي وعمي وجدي في زيارة مرضية عام 2004 ، كانت صنعاء حينها عاصمة الثقافة العربية، فكانت بهية جدا وجدرانها متزينة محتفلة بكونها عاصمة الثقافة العربية، كنت لا أعرف عن معنى الثقافة سوى أنها كتب ومجلات.
عند دخولنا إليها كنت اخرج راسي من نافذة السيارة واتمعن في شوارعها وعمرانها وناسها وازدحامها، تمعن شخص لمكان أول مرة يشاهده، شخص أتى من القرية إلى مدينة دائما ما يسمع عنها.
فكانت اولى وجهتنا إلى المستشفى حيث بقيت أنا في السيارة بعد أن دخل والدي وعمي برفقة جدي لمعاينته وتركوا عندي جنابيهم الثمينة، وعمي يزكني انتبه للجنابي وخبيتهن تحت البطانية حيث يجلس الراكب بجانب السائق وجلست في المكان. كنت في قلق وخوف على الجنابي لأنها غالية الثمن، تخيل طفل يجلس فوق اثنين مليون ريال، وكان لدي خمسين ريال اشتريت بنصفها بطاط من صاحب العربية الذي كان بباب المستشفى وقريب من السيارة، ثم اتجهنا إلى الفندق وهناك شعرت بغثيان نتيجة للسفر، وأيضا كوني اكلت بطاط كثير.
وفي الفندق تحممت فأسرفت بالماء وأنا احاول تعبئة مسبح الحمام الذي كان مفتوحا من الجهة الاخرى واستغرب لماذا لم يمتلئ، وجدتها فرصة لكني لم استطع استغلالها، كنت أود أن أفعل كما في المسلسلات المصرية التي اشاهدها على قناة صنعاء من تلفزيون أبيض وأسود واحدهم في المسبح والماء إلى صدره، كانت أول مرة اشاهد رقص نساء في أقل من خمس ثواني، وعمي يبحث في القنوات ومر على قناة غنائية ورقص فلمحت ذلك سريعا ليبقي التلفاز على قناة المجد.
في الرخاء والشدائد كانت صنعاء وجهة المعوزين، والطامحين على السواء، بنى فيها كل مجده، على النحو الذي يراه. الباحثون عن المال، الشهرة، الهدوء، السكينة، العشرة الطيبة.
الباحثون عن العلم و عن العمل كل كان وجهته صنعاء..
كان راديو جدي من أثير صنعاء وكثير من الأغاني الصنعانية التي قبعت في ذاكرتي من ذلك الراديو، كان لدينا تلفزيون أبيض وأسود وفقط توجد محطات صنعاء وعدن وإلى الآن لم انسى اغنية محمد قاسم الأخفش: الا جينا نحييكم. ومحتفظ بها في جهازي.
وغيرها الكثير من الأغاني المتعلقة بصنعاء التي حفظتها منذ طفولتي.
لأن صنعاء سقاها الله فيض الغمامة
منزل حوى كل فن
ما مثل صنعاء
كلا ولا اهلها
صنعاء حوت كل فن
ياسعد من حلها
تطفي جميع الشجن
الأغنية التي اسمعها بصوت فيصل علوي الجميل.
تخرجت من الثانوية وسافرت صنعاء للإلتحاق بالجامعة..
انتقلت إلى وضع جديد وجدت فيه صعوبة شديدة انتقال من مجتمع الى مجتمع جديد وأناس جدد وحياة جديدة ومختلفة.
فكنت مع زملاء من القرية عندما نخرج الشارع نخرج كمجموعة وهكذا عادتنا أصحاب البيضاء، نمشي الجامعة كذلك ونروح المطعم كذلك، نعرف ببداوتنا من خلال كثرتنا ولباسنا وطريقة حديثنا، كنت البس المعوز إلى الركبة كما هي عاداتنا في اللبس، وكان يلفت النظر في الشارع والسكن والجامعة.
أول مرة صاح لنا صاحب باص يا ربوع، فاستفزنا ذلك ورديت عليه أنا وصاحبي: على قرنك وقرن ابوك..
في البداية لم اكن اتقبل ذلك من أحد..
فكانت الكلمة تتكرر علينا دائما.
صاحب الباص وسائق التكس وصاحب المطعم والذي في الشارع وصاحب المتر والزملاء الذي تعرفنا عليهم ووو..
بدلا من أن يقول يا بيضاني ينادي يا ربوع وكان ذلك يستفزنا كثيرا 
حتى أنه مره في أحد المطاعم كنا سنقع في مشكلة، نادانا صاحب المطعم وبصوت مرتفع ايش طلباتكم يا ربوع، وكررها يا ربوع.. واحنا نتعامس
فقفز أحدنا ومد يده: على قرنك وقرن ابوك وتعالت الأصوات وألتمت الناس وانتهى الأمر.
كنا نراها سبة، وقد توارثناها على انها كذلك ومن يقولها يقولها بغرض الاستفزاز لكنها في الحقيقة ليست سبة..
فقصة يوم الربوع لها ارتباط تاريخي قديم بصراع الإمامة مع اصحاب البيضاء..
وهكذا ظلت كلمة يا ربوع تلاحقنا في شوارع صنعاء حتى اعتدنا عليها وبكل بساطة نرد على قرنك وقرن ابوك!
يوم الأربعاء عندنا في البيضاء نسمية “امبرك” من البركة تحاشيا لشؤمة..
ومع مرور السنوات أصبح يوم الربوع شؤم ليس على أصحاب البيضاء فحسب، لكن على ربوع الوطن بأكمله، والمنطقة ككل.
تعلقت بصنعاء كثيرا وأستقريت فيها وأصبحت جزء مني..
صنعاء تخفي  تحت البياض جمالها 
وهي فنجان قهوة جميل 
هي الفنون والصنائع الموغلة في القدم
هي عقود الفل في الأماسي والبخور في المجالس، وهي الاغنية والمقيل والسمر
قهرت كل التاريخ، وكل الجغرافيا، واندمج فيها المحبون.
صنعاء يا تعويذة الزمان الجالف، ويا بلسم  الجراح الغادرة.
ايتها المليحة دائما التائهة في أمجادها،
يجور الزمان و تبقي الوفية دائما..
صنعاء من فيها يوجد أروع إنسان التقيته في حياتي، امرأة تغلي في عينها النجوم، ويليق بها أن اشبه الشمس بظلالها المضيئة
في اهدابها تجتمع انوار السماء
وفي حواجبها يكتمل سواد الليالي
وفي قامتها اكتمال شموخ هامات الجبال.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى