المجلس الانتقالي جنوب اليمن.. موت “سريري” ومشروع مؤجل
مرَّ أكثر من شهر على إعلان المجلس الانتقالي جنوبي اليمن الذي يرأسه عيدروس الزُبيدي محافظ عدن السابق، والذي يحظى بدعم سخي من أبوظبي، لكنه دخل مرحلة موت “سريري” لهذا المجلس ولا يبدو أن هناك محاولات لإنعاشه. يمن مونيتور/ تقدير موقف/ خاص
مرَّ أكثر من شهر على إعلان المجلس الانتقالي جنوبي اليمن الذي يرأسه عيدروس الزُبيدي محافظ عدن السابق، والذي يحظى بدعم سخي من أبوظبي، لكنه دخل مرحلة موت “سريري”، ولا يبدو أن هناك محاولات لإنعاشه.
كانت أولى وآخر المحاولات لإنعاشه الثلاثاء الماضي، (13يونيو/ حزيران) بعقد اجتماع سياسي في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، لكن هذا الاجتماع تم إلغاؤه وتأجيله إلى أجلٍ غير مسمى، بعد أن استدعت الرياض أربعة من المحافظين (سقطرى والمهرة وحضرموت وشبوة) إلى مدينة جَدة قبل يوم من الاجتماع، وهؤلاء المحافظين الجنوبيين وردت أسماؤهم في البيان الذي أعلن عنه الزُبيدي يوم (11 مايو/ أيار) والذي نصب نفسه رئيساً وهاني بن بريك نائباً إلى جانب قائمة من 24اسماً، ولم يحظَ المجلس بقبول من الحكومة اليمنية والرئيس اليمني، بل اعتبر استهدافاً للتحالف العربي وللشرعية الممثلة بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
يعود السبب في تحويل هذا المجلس إلى كيان “ميت” سريرياً إلى عِدة عوامل تتعلق أبرزها بالخلافات العميقة والقديمة بين النخبة الجنوبية، فالمطالبة بمكون سياسي يمثل الجنوبيين ليس جديداً بل إنه متواتر واتضح جلياً بعد ثورة فبراير/ شباط2011م التي اسقطت نظام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وهذا الوضع انعكس على المجلس السياسي.
فإقالة الرئيس “هادي” لـ”عيدروس الزُبيدي” و”هاني بن بريك”، الوجهان الأبرز في المجلس، من منصبيهما في 27 ابريل/نيسان، اعتبر استهدافاً للرجلين اللذين كانا يعتبران نفسيهما الموجه والقائد للمحافظات الجنوبية بدعم لا محدود من الإمارات العربية المتحدة، حيث يسيطر الأول على مقاليد السِّياسة والأمن إلى جانب شلال شائع مدير أمن عدن، والثاني يقود الحزام الأمني القوة، الضاربة في عدن ومثيلاتها في المحافظات الأخرى تحت مسمى قوات النّخبة والتي يقدر عددها بـ30 ألف عنصر.
وعدت أبوظبي إزاحة الرجلين استهداف مباشر لها وهي التي تحتضن معظم أعضاء المجلس الانتقالي إضافة إلى قيادا جنوبية اخرى.
ولأجل ذلك يواجه التحالف السعودي والإماراتي في اليمن تحديا بسبب الجمود وانشقاق قواته الشريكة -اليمنية المحلية- وخلافات في القنوات الخلفية بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. ويكافح الرئيس اليمني المعترف به من قبل الأمم المتحدة عبد ربه منصور هادي من أجل الحفاظ على السلطة الكاملة في وضع مضطرب ومليء بالتباينات.
وقد اختبرت الأحداث الأخيرة القوة الفعلية للرئيس الشرعي “هادي”، حيث سعت الميليشيات المدعومة من بعض أطراف في التحالف، بما في ذلك الجماعات المسلحة المرتبطة بحركة الانفصال اليمنية الجنوبية إلى فرض هيمنتها بعيداً عن السلطة الشرعية بما في ذلك قوات الحزام الأمني.
واستهدفت قوات إماراتية، الحرس الرئاسي الموالي للرئيس هادي في عدن في فبراير/ شباط بعد محاولة هذه القوة فرض قرار للرئيس اليمني بإقالة مسؤول في مطار عدن الدولي رفض القرار بصفة أنه من قوة “الحزام الأمني”. في 27 أبريل / نيسان، سعى هادي إلى إعادة تأكيد سلطته على المناطق التي يسيطر عليها التحالف في اليمن من خلال إقالة القادة اليمنيين الجنوبيين البارزين المرتبطين بالحركة الانفصالية. كان قرار هادي بإقالة محافظ محافظة عدن اللواء عيدروس مثيرا للجدل بشكل خاص وأدى إلى استياء مناصري الزُبيدي الذي حشد متظاهرين إلى ساحة العروض في عدن يوم 4مايو/أيار ثمَّ 11 مايو/أيار لكن حجم الحضور كان دون المتوقع.
الموقف السعودي
ظهر الموقف السعودي من المجلس الانتقالي هادئاً حيث سعت إلى تذويبه بهدوء من خلال استدعاء “الزُبيدي” و”بن بريك” إلى الرياض في اليوم التالي لإعلان المجلس، وظل الرجلان قرابة أسبوعين في السعودية دون تحقيق تقدم أو حتى لقاء مسؤولين سعوديين حسب ما كان متوقعاً، ويبدو أنه الفخ ذاته الذي وقع فيه المحافظون الأربعة عند استدعائهم، الثلاثاء الماضي.
انتقل “الزُبيدي” و”بن بريك” إلى أبوظبي ويحظيان بترحيب واسع من ولي عهد الدولة الرجل القوي، محمد بن زايد، وتمكنا من عقد اجتماعات مع قادة جنوبيين انفصاليين في الخارج، كما أنهما تمكنا من زيارة “القاهرة” بداية يونيو/حزيران، وحسب المصادر فقد التقوا بقادة جنوبيين إلى جانب لقاءهما بقادة في جهاز المخابرات المصري لبحث بقاء المجلس، سبق أن أيدت القاهرة انفصال جنوب السودان.
لا فعاليات ولا تنسيق
عاد الرجلان إلى أبوظبي لكنهما لم يعودا إلى الوطن، وكذلك فعل القادة الآخرون، وفشلوا في الحصول على دعم إقليمي أو دولي كما كانوا يرغبون.
لكن محافظ عدن الجديد عبدالعزيز المفلحي ورئيس الحكومة ومجموعة من الوزراء عادوا بالفعل إلى عدن وبدأوا بممارسة أعمالهم من قصر المعاشيق. لكن المفلحي لم يتمكن بعد من الحصول على مبنى المحافظة والمنزل المخصص لحاكم عدن، فما تزال تلك المباني بيد “الزُبيدي” وقوات الحزام الأمني، كما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”يمن مونيتور”.
فشل المجلس الانتقالي في حشد تأييد داخلي من أجل هدفه ولم يتمكن المجلس خلال شهر من الإعلان عن برنامجه أو عن الهيكل الأساسي والإدارات المكونة له، رغم الوعود الحثيثة لأنصارهم باستكمالها منتصف هذا الشهر.
استنتاج
تشير مؤسسة جيمس تاون الأمريكيَّة للدراسات في تحليل لها، اطلع عليه “يمن مونيتور”، إلى أن ديناميات السلطة المحلية في جنوب اليمن، ومقر قيادة التحالف في عدن، ستظل غير مستقرة في المستقبل المنظور.
وسيظل الزُبيدي وهو زعيم اجتماعي وسياسي محلي موجوداً كأداة تهديد لاستهداف شرعية “هادي” على المدى الطويل، ولذلك لن يظل مهمشاً.
وعلى نحو متزايد، سيواجه التحالف (وخاصة الإمارات) التي عملت عن كثب مع الميليشيات التأسيسية لحركة المقاومة الجنوبية، أزمة قرار بشأن ما إذا كان عليها إحباط دعوات استقلال جنوب اليمن أو تلبية أوامر هذه القوى الشريكة المحلية على حساب شرعية وسلطة هادي.
وقد لا يتمكن هادي، من ردع شركاءه الإماراتيين وميليشيات موالية لهم لفترة أطول. وهذا من شأنه أن يقود الرياض وأبو ظبي إلى الموافقة الضمنية على العملية التي من شأنها أن تحقق استقلال جنوب اليمن، وسيكون هناك صراع أكبر وأوسع يتم تناسي انتشار القاعدة ومواجهة الحوثيين.