(انفراد) لماذا أخفق “تنظيم الدولة” في اليمن؟!
تعتبر اليمن ظروف مثالية لتنظيم مثل “الدولة الإسلامية” الذي يثير فزع العالم، فالشعب مطحونٌ في الفقر في ظل تفشي البطالة بين الشباب، وحكومة ضعيفة أو ليست موجودة؛ وشبكة مزدهرة لوجود السلاح بشكل كبير بين الناس، وأدت الحرب الأخيرة إلى توسيع هذا الازدهار، ما يجعلها بيئة خصبة لوجود وتوسع هذا التنظيم.
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ ترجمة خاصة:
تعتبر اليمن ظروف مثالية لتنظيم مثل “الدولة الإسلامية” الذي يثير فزع العالم، فالشعب مطحونٌ في الفقر في ظل تفشي البطالة بين الشباب، وحكومة ضعيفة أو ليست موجودة؛ وشبكة مزدهرة لوجود السلاح بشكل كبير بين الناس، وأدت الحرب الأخيرة إلى توسيع هذا الازدهار، ما يجعلها بيئة خصبة لوجود وتوسع هذا التنظيم.
إذاً لماذا فشل تنظيم الدولة في كسب موطئ قدم له في اليمن؟! بالرغم أن التنظيم أعلن عن نفسه في 2014م عندما أعلن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي أن مقاتلين في اليمن تعهدوا بالولاء له ولتنظيمه الذي يقاتل في سوريا والعراق.
تجيب مؤسسة جيمس تاون الأمريكيَّة على هذا التساؤل المهم في تحليل لها، ضمن برنامج “مراقبة الإرهاب” وترجمة للعربية “يمن مونيتور”، إلى أن ذلك يعود قبل كل شيء، إلى التنافس بينه وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب الأكثر مرونة والقابل للتكيف. ثانيا، التفسير المطلق والمتطرف للإسلام الذي تحتضنه قيادة تنظيم الدولة هو غريب إلى حد كبير على الغالبية العظمى من اليمنيين. حتى أولئك اليمنيين الذين تقع وجهات نظرهم نحو أقصى جذور الطيف العنيف من غير المرجح أن يدعموا التكتيكات الدموية التي يستخدمها تنظيم الدولة. وثالثا، فإن النهج التجميعي من القمة إلى القاعدة في القيادة والحكم لا يشير بالمطلق إلى أنه قريب من المجتمع اليمني، الذي يقدر القيادة التعاونية واحترام الأشكال التقليدية للحكم.
تنظيم القاعدة ضد تنظيم الدولة
وجود تنظيم الدولة في اليمن يرجع في بداياته إلى عام 2014 عندما اعترف أبو بكر البغدادي بأن مقاتلين في اليمن تعهدوا بالبيعة (وهو قسم رسمي للولاء) له. في ذلك الوقت، كان تنظيم الدولة الإسلامية يتسع بسرعة في جميع أنحاء العراق وسوريا وكان في ذروة شعبيته بين السلفيين المتشددين. وفي الوقت نفسه، تعرض تنظيم القاعدة لضغوط شديدة من الجيش اليمني. وابتداء من نوفمبر / تشرين الثاني 2014، انشق عدد من نشطاء القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى تنظيم الدولة في اليمن. في آذار / مارس 2015، نفذ تنظيم الدولة أول هجماته في اليمن باستهداف مسجدين في العاصمة صنعاء. وقد برر التفجيرات بالقول إن المساجد كانت مساجد الزيديين الشيعة التي يستخدمها الحوثيون. في الواقع، كانت المساجد – كما في الغالبية العظمى من المساجد في اليمن – تستخدم من قبل كل من الزيديين والشوافع السنة.
وكان الهجوم على المساجد محاولة من تنظيم الدولة لمفاقمة التوترات الطائفية في اليمن، وهي استراتيجية مجربة ومختبرة استخدمها بنجاح كبير في سوريا والعراق. ومع ذلك، في اليمن، لم تعمل الاستراتيجية على ما يرام. وذلك لأن التوترات الطائفية بين الشيعة الزّيود- فرع من الإسلام الشيعي أقرب إلى الإسلام السني من الشيعة الاثني عشر الذي يسود في إيران – والشوافع السنة مبالغ فيه. وبدلا من تمكين تنظيم الدولة في اليمن من اكتساب المزيد من المجندين والدعم، فإن هذه الهجمات تكلفه الكثير من الدعم المحدود الذي كان يتوقع الحصول عليه من السلفيين المتشددين داخل المجتمع اليمني.
في عام 2015، حظي تنظيم الدولة ببعض النجاح في محافظة حضرموت اليمنية، حيث شارك في العديد من المعارك ضد تنظيم القاعدة. ومع ذلك، فإن الحرب التي تقودها السعودية في اليمن، والتي بدأت في 26 مارس / آذار 2015، وضعت ضغوطا على الحوثيين وسمحت للقاعدة في بالقيام بالهجوم عبر جنوب اليمن. استولى القاعدة على مدينة المكلا الساحلية اليمنية في أبريل / نيسان 2015، وحصل على مبالغ كبيرة من المال ومخازن أسلحة. من هذه النقطة تقدم القاعدة إلى الأمام، فهاجم تنظيم الدولة الذي كان بدأ للتو في اكتساب موطئ قدم في اليمن وأجبره على الدفاع.
وخلال عامي 2015 و2016، واصل تنظيم الدولة شن هجمات على أهداف مدنية بالدرجة الأولى في البيئات الحضرية، بما في ذلك الهجومين الأخيرين والأكثر فتكا على الجنود اليمنيين المتقاعدين والناشطين الذين ينتظرون تحصيل المعاشات والرواتب في عدن. أدان القاعدة في الهجمات التي قتلت أكثر من 100 شخص، وانتقد استخدام الدولة المفرط للعنف.
وتقول المؤسسة الأمريكيَّة في التحليل الذي ترجمه “يمن مونيتور”، إن انتقادات القاعدة ملحوظة لأنها تبين أن الجماعة قد تعلمت أن تعتدل وتحسن سلوكها، ويدرك أن هذا العنف سيقوض تنظيم الدولة في اليمن. إن القاعدة يعد أفضل فروع تنظيم القاعدة في الدول الأخرى فهم يتسم بالمرونة ويظهر استعداده للتعلم من أخطائه. في عام 2013م اعتذر تنظيم القاعدة عن هجومه الذي استهدف مستشفى عسكرياً في صنعاء وقتل 52 شخصاً. ومنذ ذلك الحين، كان تنظيم القاعدة أكثر استراتيجية بشأن الأهداف التي يهاجمها.
إثارة التوترات المحلية
بالإضافة إلى وضع التنظيم بحساباته الرأي العام في اختيار الأهداف، فقد تعلم أن بقاءه يتوقف على كسب الدعم – أو على الأقل تجنب الغضب – للمجتمعات القبلية التي تعيش في مناطق عمليات القاعدة. ولتحقيق هذه الغاية، عدل تنظيم القاعدة نهجه وخففت في معظمها من التطرف من خلال تبني ما يمكن أن يسمى سياسة تدريجية. وتعني هذه السياسة أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية يعمل على فرض إرادته تدريجيا على تلك المجتمعات التي يريد أن يحكمها.
وفي عام 2012، عانت القاعدة في شبه الجزيرة العربية من هزائمها الشديدة على أيدي رجال القبائل في شبوة وأبين. وقد حاولت فرض فهمها المتشدد للشريعة الإسلامية والاستيلاء على سلطة القيادة القبلية في المنطقة. وردا على ذلك، شكل رجال القبائل ميليشيات، وبمساعدة من الجيش اليمني والدعم الأمريكي الدقيق، أجبرت القاعدة في شبه على الفرار من المنطقة.
إن التفسير الأكثر تطرفا للإسلام، والعنف العشوائي الذي يبرره هذا التفسير، يعني أن “داعش” لن يجد دعما دائما في اليمن. وخلافا لقاعدة تنظيم القاعدة، فمن غير المرجح أن يقوم تنظيم الدولة بتعديل أيديولوجيته أو تكتيكاته. ومن شأن ذلك أن يفقد الكثير من أسباب وجوده. تنظيم الدولة في نقده لتنظيم القاعدة في اليمن أنه منظمة معتدلة جدا وليست “إسلامية” بما فيه الكفاية.
ومن غير المحتمل أيضا أن يتبنى تنظيم الدولة في اليمن نهجا أكثر تعاونياً في مجال الإدارة والحكم. فأيديولوجيته وصغر حجمه في اليمن يقاومان مثل هذا التحول. إصراره على إعادة الخلافة المتخيلة لا يسمح بالتوصل إلى حل توفيقي. إن الطبيعة المتطرفة لوجهات نظر “تنظيم الدولة” تحد من قدرته على البقاء داخل اليمن حيث السلطة من الأعلى إلى الأسفل ليست تقليدية ولا مقبولة لدى معظم.
إضافة إلى ذلك، يواصل تنظيم الدولة استخدام عدد من الأجانب كمنشطين. إلا أن “تنظيم القاعدة” اكتشف مشكلة في اليمن. يرفض اليمنيون أن يقدموا لسلطة لغير اليمنيين، الصوماليون هم القِلة الذين يفضلونهم في اليمن.
لقد استغرق الأمر لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سنوات لتعلم كيفية العمل بفعالية في السياق اليمني – أو بالأحرى السياقات، لأن البيئات الاجتماعية والثقافية في اليمن متغيرة بشكل كبير. بالإضافة إلى سنوات من الخبرة في اليمن وتقاليد التعلم والتكيف، أصبحت القاعدة ممولة بشكل أفضل وأفضل تسليحا مما كانت عليه في أي وقت مضى.
وضع حد لداعش في اليمن
استخدم القاعدة فعال وكفء غزواته من الحرب في اليمن لنمو تنظيمه وصقل قدراته. وركز جزء من منظمته على توسيع جناحه الاستخباراتي. وفي هذا الصدد، يُعلم القاعدة قدرا كبيرا من زملائه من “حركة الشباب”-فرع للقاعدة- التي تتخذ من الصومال مقرا لها.
وقد ركزت حركة الشباب، في مرحلة مبكرة من تطورها، على إنشاء جهاز استخباراتي هائل، وهو أمينية، الذي ساعد الجماعة على إدارة علاقاتها، في كثير من الأحيان بعنف، مع العشائر الصومالية المتصدعة. كما ساعدت حركة الشباب على اختراق تنظيم الدولة في الصومال وتحييده إلى حد كبير.
تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن هو منظمة صغيرة ولكنها مسامية لا يمتلك النوع من النشطاء المهرة التي تقوم بها القاعدة في جزيرة العرب. ومن المرجح أن الجناح الاستخباراتي في القاعدة في جزيرة العرب قد اختراق المجموعة.
داعش في مستقبل اليمن أبعد ما يكون عن المؤكد. ومع تعرض تنظيم في العراق وسوريا لضغوط متزايدة، سيكون هناك المزيد من الأضرار التي لحقت بعلامة تنظيم الدولة المتضررة بالفعل. إن التكتيكات نفسها – العنف الشديد، السلطة من أعلى إلى أسفل والتركيز على تفاقم التوترات الطائفية – التي سمحت لداعش بالتوسع في العراق وسوريا ستحد من توسعه في اليمن.
وتختم المؤسسة بالقول: “على الأرجح، فإن معظم عناصر تنظيم الدولة في اليمن سوف يتم في نهاية المطاف إما تبنيهم أو محوهم (قتلهم) من قبل القاعدة في جزيرة العرب”.
المصدر الرئيس:
Why Islamic State Has Failed to Expand in Yemen