قبل 40 عاماً أعلنت حكومة اليمن ومنظمة الصحة العالمية خلو اليمن من وباء الكوليرا، وتصدر هذا الخبر حينها صفحات الجرائد، وكان بمثابة إنجاز أقرب للمعجزة، قياساً بقدرات البلاد وحكومتها.
قبل 40 عاماً أعلنت حكومة اليمن ومنظمة الصحة العالمية خلو اليمن من وباء الكوليرا، وتصدر هذا الخبر حينها صفحات الجرائد، وكان بمثابة إنجاز أقرب للمعجزة، قياساً بقدرات البلاد وحكومتها.
ذاك زمن مضيء يتحسر اليمنيون على قصر عمره، ويتمنون لو أن رئيس ذلك العهد الجميل إبراهيم الحمدي حكم أطول، بدلاً من ثلاث سنوات في منتصف سبعينيات القرن الماضي.
وبعد هذه العقود الأربعة تعود الكوليرا بقوة وتنتشر بسرعة في جغرافيا البلاد، وإن كانت قد عادت في الفترات الماضية بشكل متقطع ومحدود، لكن الفارق أن عودتها هذه المرة بفعل البشر، كما هو الحال مع المجاعة.
بدأت الكوليرا تنتشر من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، نتيجة تكدس أكوام القمامة في الشوارع، على خلفية إضراب عمال النظافة للمطالبة برواتبهم البسيطة الموقوفة منذ أشهر، مثل غيرهم من موظفي الدولة، ولم يكلف الحوثيون أنفسهم أي عناء لتسليمها وتحمّل مسؤولية سيطرتهم على المدينة، ونهب إيراداتها الكبيرة.
بمرور الوقت حصدت الكوليرا حياة عدد من الأشخاص وآلاف المصابين ليستغل الحوثيون الوباء كفرصة لإعلان حالة الطوارئ بالعاصمة، ليتخلصوا من مسؤوليتهم في الوصول لهذه النتيجة وطلب المساعدات، والآن تقوم المنظمات بما يُفترض أن يقوموا به. ويمكن تلخيص بقية الأسباب لعودة الوباء في المحافظات التي وصلها إلى: دمار المنشآت الصحية التي لم تعد قادرة على استيعاب المرضى، ونقص الأدوية، ونقص الكادر الطبي، وجميعها يتحملها الحوثيون، كونهم صادروا مخصصات وزارة الصحة والرعاية الطبية لصالح تمويل عملياتهم العسكرية. والمشكلة أن خطر الوباء يتهدد الملايين، حيث قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دو جاريك «إن ما یقدر بنحو 7.6 ملیون شخص یعیشون في المناطق المعرضة لخطر انتقال الكولیرا».
وتقول منظمة الصحة إن ثمة صلة وثيقة بين سريان الكوليرا وبين قصور إتاحة إمدادات المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي، وهذا ما ينطبق على صنعاء ومدن أخرى، وتشمل المناطق المعرضة للخطر الأحياء الفقيرة المتاخمة للمدن، حيث تنعدم فيها البنية التحتية الأساسية، ناهيك عن مخيمات النازحين داخلياً أو اللاجئين.
ويخبرنا التاريخ أن ظهور الأوبئة وتفشي المجاعة ارتبطا بعهود الأئمة الذين حكموا اليمن حتى ثورة 26 سبتمبر 1962، وهي الفترات المظلمة والمتخلفة من تاريخ البلاد، والتي شهدت وفاة عشرات الآلاف من اليمنيين، إما جوعاً، أو بسبب الأمراض وغياب الخدمات الصحية.
وما لم تكن هناك جهود فعالة وسريعة لمواجهة الوباء، فإنه سيفتك بحياة الكثيرين بالنظر إلى انهيار النظام الصحي، خاصة أن الكوليرا عدوى حادة قادرة على أن تودي بحياة المُصاب بها في غضون ساعات إن تُرِكت من دون علاج، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وبهذا تكون الكوليرا هي القاتل الجديد لليمنيين بعد المجاعة والحرب التي دخلت عامها الثالث بانتظار فجر السلام المنشود.;
نقلا عن العرب القطرية