كتابات خاصة

الآخر الذي قتل أمجد

سلمان الحميدي

كان الآخر يتأهب لاغتيال أمجد، معلنًا عدم القبول بشاب جميل، وكان الكثير يتأهب ليسقط في مصيدة الحيرة وهاوية التخمينات عن “الآخر” الذي اغتال أمجد: من يكون؟!

الرصاصة التي قتلته لم تدخل في حساب جملته الأخيرة، كان قد كتب لحبيبته: أحبك لدرجة إنني في ذروة فترات ضعفي استطيع اسنادك؛ وأسقط أنا.
وفي المقهى الذي كتب فيه هذه الجملة، وعقب وقت قصير من كتابتها سقط الناشط العزيز أمجد عبدالرحمن.
لن يحتاج صديقنا الشاب إلى رسمة قلب مغدور بسهم أسود للتعبير عن الحب، توقف قلبه برصاصة غادرة على أرضية احد المقاهي في عدن. في المدينة التي تشكل لنا أملًا للدولة رغم زعزعة جذور التعايش الضاربة في العمق.
حتى حالة الاطمئنان التي نعيشها على أصدقائنا البعيدين عن المتارس، فقدناها، وتأكدنا الآن بأن أي شاب عرضة للاغتيال في أي وقت، وفي أي مدينة، في ظل شرعية عجزت عن تأمين مأوى لها فضلًا عن تأمين حياة الآخرين.
يكاد العرق يلجم بياض الورق، الأصابع تتعرق على الكيبورد باذلةً أقصى جهد أشعر به لدرء الفاجعة، لإخراج الاستياء الكامل مع الحزن الكامل بعد هذا الاغتيال.
قرأت لحسن عبدالوارث: عدن.. دعوني أبكي على أطلالها
وبكيت قبل الجريمة.
قبل ذلك كنت قد شعرت بالغبطة لمجرد أن الأديب حبيب سروري كتب حول مدينته في جريدة عربية خارج البلاد، وترنمت بالاختيار الذي نقله عن رامبو. عندما اغتيل الصديق محمد العبسي، كنت قد استشهدت بما نقلته شقيقة رامبو عندما كانت تحدثه عن الإيمان في لحظاته الأخيرة، قالت بأنه قال لها باللغة العربية التي اكتسبها من عدن:
الله كريم.
والآن اغتيل الذي بادلني الاعجاب..
والذي شاطر أصدقاءه الحزن على أصدقائه.
اغتيل في عدن، في المدينة التي عرف فيها رامبو الله.
في الوقت الذي انشغلنا فيه بالحرب وأجوائها المحمومة عامة، وعندما كانت عدن  تعيش توترًا سياسيًا مرق من سهم العادة،  كان لدد الخصومة يتشكل بين سكان البيت الواحد، في هذا الوقت كان أمجد يترأس ناديًا ثقافيًا اسمه “الناصية” ويستضيف متحدثين في ندوة “قبول الآخر”، آخر صورة نشرها على صفحته كانت لهذه الندوة تحديدًا.
التجسيد الأمثل لقبول الآخر، يظهر في التفاصيل الصغيرة للشاب الذي تمدد على أرضية المقهى جثة بلا حراك. لقد وضع صورة محافظ عدن المقال، عيدروس الزبيدي الذي أعلن ما يسمى “المجلس الانتقالي” لإدارة الجنوب، وضعها أمجد بدلًا من صورته الشخصية، وكتب ليطمئن أصدقاءه بأن موالعة القات سيكونون موحدين كما كان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين موحدًا حتى عندما كان هناك دولتان على أرض واحدة.
كان الآخر يتأهب لاغتيال أمجد، معلنًا عدم القبول بشاب جميل، وكان الكثير يتأهب ليسقط في مصيدة الحيرة وهاوية التخمينات عن “الآخر” الذي اغتال أمجد: من يكون؟!
تكاثر أعداء الحب، تضاعفت الأوجاع، والاغتيال لم يعد مخصصًا لأولي المناصب السياسية وحسب، حتى العشاق.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى