الحادي عشر من مايو يوم خالد في تاريخ اليمن، خلدته تلك الدماء التي أرهقها القتلة في لحظة تاريخية مفصلية أظهر فيها اليمنيون والشباب منهم على وجه الخصوص استعداداً لا حدود له للتضحية من أجل التغيير.
ياسين التميمي
الحادي عشر من مايو يوم خالد في تاريخ اليمن،
خلدته تلك الدماء التي أرهقها القتلة في لحظة تاريخية مفصلية أظهر فيها اليمنيون والشباب
منهم على وجه الخصوص استعداداً لا حدود له للتضحية من أجل التغيير.
في مثل هذا اليوم خرج الشباب الثائر عصراً
باتجاه مقر رئاسة الوزراء (السلطة التنفيذية في مستواها الأدنى) في تراتبية النظام
السياسي الحاكم آنذاك ولا تزال، حيث يتموضع المقر في قلب العاصمة صنعاء وفي منطقة خضراء
مصغرة.
هناك تقع الإذاعة وثكنة كبيرة من الحرس
الجمهوري وكتيبة مدرعة، واستعداد متوتر للمواجهة من قبل الجيش والأجهزة الأمنية مع
الشباب المندفع بلا حدود.
لم تكن خطوة في المجهول تلك التي أقدم عليها
الشباب، بل كانت إرادة الله، هي التي سرَّعت خطوات الثورة إلى الأمام وتجاوزت الخطوط
الحمر التي رسمها المخلوع صالح حول سلطته، قبل أن تتحول إلى موضوع للنقاش على طاولة
المجتمع الدولي والإقليمي، وتتسارع بعدها الخطى.
ما إن تقدم الشباب حتى اعترضهم العسكر في
الساحة الواقعة أمام بنك الدم وأطلقوا على المسيرة وابلاً من الرصاص، وكانت الخسارة
كبيرةً ومؤلمة خصوصاً أن الثوار لم يتجاوزا بعد مجزرة الثامن عشر من مارس الرهيبة.
كان القناصة قد استأنفوا مهمتهم القذرة
وهم تحديداً من أوقعوا كل تلك الخسارة التي بلغت 18 شهيداً وأكثر من ثلاثمائة جريح،
ولكنهم رغم ذلك لم يستطيعوا إيقاف
ثار الجدل حول تلك المسيرة، فقط لأنها لم
تأت في إطار الترتيبات التي كانت تعتمدها المنسقية العليا للثورة، حيث يحضر القرار
السياسي وكل الحسابات الأخرى.
لكن الثورة ليست حسابات سياسية، إنها فعل
مفاجئ متدفق وحالم، سلاحه الشجاعة والإقدام تحييد كامل لكل الاحتمالات بما فيها الاحتمالات
السيئة وكبيرة الكلفة.
لم يكن صالح في ذلك مسيطراً على الحدث،
بل كان مربكاً، إلى حد دفع بسكرتيره الصحفي الخاص إلى التصرف بشكل شاذ وخارج عن القواعد
الأخلاقية، عندما قام بانتحال شخصية أحد شباب الثورة، بعد أن فرضت المخابرات سيطرة
على خطوط الاتصالات، وحولت مكالمة من قناة الجزيرة على الهاتف المحمول لـ: أحمد الصوفي،
الذي سوق أكاذيب عن اقتحام مقر رئاسة الوزراء.
لم يكن صالح مسترخياً بل قلقاً في ذلك اليوم،
وكان يعلم أكثر من غيره أن الاقتراب من المحظورات والخطوط الحمر، هو تحول خطير في مسار
الثورة التي تتحرر شيئاً فشيئاً من القرار السياسي، وتتحول إلى عاصفة من الإرادة التي
لا تنكسر وإعصار لا يتوقف عند حدود.
زايد الكثيرون حول اندفاع الشباب، وحماسهم
الذي أفضى إلى تلك النتيجة الدموية، وعلى هؤلاء اليوم أن يتوقفوا قليلاً أمام أنفسهم
ويتساءلوا ماذا لو كانت الثورة مضت بذلك المستوى من الاندفاع والتضحية؟ هل كان صالح
سيواصل التأثير في مسرح الأحداث، وهل كان بوسع عصابة مسلحة طائفية أن تصل إلى صنعاء
وتسقط الثورة والدولة وتفتح باباً على الجحيم الذي حرق فيه آلاف اليمنيين ولا يزالون
حتى اللحظة، حيث الموت والدم هو العنوان الأبرز للمرحلة.
حدث هذا ويحدث بعد مرحلة طويلة من جهود
السلام التي ظللها العالم أجمع بدعمه، ومع ذلك لم يتردد هذا العالم لحظة عن التضحية
باليمنيين من أجل تأمين مصالحه الخاصة.
مسيرة بنك الدم خلدت في التاريخ باعتبارها
فعل أنجزه أبطال استثنائيون، وسجلت ردة فعل النظام على أنها جريمة إنسانية لن تمحى
أبداً ولن تسقط بالتقادم.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة
نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها
ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.