ماكرون.. الرئيس العاشق والأصغر سنا في الإليزيه (بورتريه)
تمكن من الصعود بثبات في صفوف المؤسسة الفرنسية باستغلال مهاراته، مصرفيا متمرسا في عالم الاستثمار وعقد الصفقات، لولوج عالم السياسة.
يمن مونيتور/عربي 21
تمكن من الصعود بثبات في صفوف المؤسسة الفرنسية
باستغلال مهاراته، مصرفيا متمرسا في عالم الاستثمار وعقد الصفقات، لولوج عالم السياسة.
ومنذ استقالته المفاجئة من الحكومة، بعد
عامين من دخولها، أرسل رسالة قوية مناهضة للمؤسسة القائمة ساعدته في أن يفوز بالانتخابات
الرئاسية الأكثر غموضا في فرنسا.
ويعزو كثيرون صعوده المفاجئ إلى توق الفرنسيين
لوجه جديد، نزيه نسبيا، مع انهيار غير متوقع لعدد من منافسيه من التيارات السياسية
الرئيسة، خاصة اليمين واليسار التقليديين.
ولعب ذكاؤه التكتيكي الحاد أيضا دورا في
صعوده، وهو الوافد الجديد الذي لم يكن معروفا على نطاق واسع قبل أقل من ثلاث سنوات.
ويعد أيضا الرئيس الأصغر لفرنسا منذ عهد
نابليون بونابرت.
إيمانويل ماكرون، عاشق الأدب، المولود عام
1977، طالب الفلسفة في جامعة “ناتري”، انضم إلى مدرسة النخبة المدرسة الوطنية
للإدارة، وعمل لعدد من السنوات في مجال الاستثمار في مؤسسة روتشيلد المالية.
وسيكتشف خبايا المال والعمال، ويراكم خبرة
في تسيير البنوك، ويحقق الملايين قبل أن يصبح مستشارا ماليا للرئيس فرانسوا هولاند
عام 2012، وبعد ذلك وزيرا للاقتصاد عام 2014.
يملك سجلا حافلا بالتكوينات الأكاديمية،
بدأه بمعهد “هنري 4″، ثم التحق بمدرسة “العلوم السياسية” في باريس
ذائعة الصيت عام 2001، وأتبعها الدراسة في “المدرسة العليا للإدارة” في مدينة
ستراسبورغ، بالإضافة إلى مروره بمؤسسات تربوية عريقة أخرى.
فشل مرتين في امتحان القبول لـ”مدرسة
الأساتذة العليا”، ولكن استطاع الدخول إليها لاحقا، وحصل على درجة الماجستير،
وعلى دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في جامعة “باريس نانتير”.
لكن مع بداية 2016، قدم إيمانويل ماكرون
استقالته من العمل في الحكومة، وأسس حزب “إلى الأمام” ذا التوجهات الوسطية،
الذي استقطب الآلاف من الشباب الفرنسي، ثم أعلن بعد ذلك ترشحه للانتخابات الرئاسية
الفرنسية، مرشحا مستقلا، بعد أن رفض الترشح تحت مظلة “الحزب الاشتراكي”.
وعندما استقال ليتفرغ لحركة “إلى الأمام”
السياسية، قال كثير من النقاد إنه سيكون في أفضل الأحوال مجرد شهاب قصير العمر.
لكن مع ارتباك الاشتراكيين وانشغال مرشح
يمين الوسط فرانسوا فيون بفضيحة مالية، ظهر ماكرون في موقع محوري وبوصفه البديل.
وأذهل ماكرون منافسيه من خلال بناء قاعدة
تأييد راسخة والحصول على تأييد سياسيين منشقين عن يسار الوسط ويمين الوسط.
ولم تكن له حظوظ تذكر في استطلاعات الرأي
للظفر برئاسة فرنسا، نظرا لكونه مرشحا مستقلا بدون قاعدة حزبية، ورجل تكنوقراط بالأساس لم يُنتخب سابقا، فيما كانت كافة التوقعات
تشير إلى أن المنافسة ستكون محصورة بين رئيسة “الجبهة الوطنية” ماري لوبان،
ومرشح اليمين الوسط فرانسوا فيون.
وانتقل للدورة الثانية من الانتخابات بعد
مجيئه في المرتبة الأولى بفارق صغير عن مرشحة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة لوبان.
وبحسب المقولة الشائعة على لسان نابليون
“وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة”، فإن زوجته المدرسة السابقة بريجيت ترونو،
التي تكبره بنحو 24 عاما، وقفت إلى جانبه في جميع مراحل حياته السياسية والأكاديمية
والمصرفية.
ماكرون التقى بزوجته عندما كان في سن الخامسة
عشرة، حيث كانت مدرسته، فقدم وعدا مدهشا لها.
وتورد الصحافة الفرنسية على لسان بريجيت
قولها: “بينما كان في السابعة عشرة من عمره قال لي: مهما فعلت سأتزوجك”،
لافتة إلى أن العلاقة بدأت عندما شارك ماكرون في بعض تمثيليات بريجيت عندما كان في
مدرسة يسوعية خاصة في أميان في شمال فرنسا.
وحاول والداه في البداية منعه من مواصلة
العلاقة، بإرساله إلى باريس لإنهاء السنة الأخيرة من دراسته، حين شعروا بأن هذه العلاقة
غير ملائمة، ولكن ماكرون وبريجيت بقيا معا بعد تخرجه، وتزوجا.
يتذكر ماكرون أنهما كانا على تواصل مستمر،
حيث يقول: “قضينا ساعات طويلة على الهاتف، ساعات وساعات على الهاتف”.
وقالت بريجيت في فيلم وثائقي: “شيئا
فشيئا تجاوز المعوقات كلها بطريقة لا تصدق وبصبر”. وأضافت أنه “لم يكن صبيا،
لكنه أقام علاقة متساوية مع أشخاص ناضجين”.
وقال ماكرون لقناة فرنسية: “لا أخفيها،
وهي هنا في حياتي، ودائما كانت معي”، وقبلها في خطاب انتخابي على المسرح، وقال
لمؤيديه: “أنا مدين لها بالكثير؛ لأنها عملت الكثير لتجعلني الشخص الذي أنا عليه
الآن”.
وقال إن زوجته لن تكون أبدا وراءه، وأضاف:
“لو تم انتخابي، آسف لو تم انتخابنا، فستكون هناك، وسيكون لها دور ومكان”.
ولعبت بريجيت ترونيو دورا أساسيا في تألق
نجم ماكرون سواء كان على الصعيد المهني أم السياسي، فمنحته الثقة الكافية لمواجهة التحديات
التي يفرضها عالم السياسة على كل مرشح يريد أن يصل إلى المنصب الأعلى للسلطة بعيدا
عن الأحزاب.
وماكرون يقدم نفسه على أنه خارج الأحزاب،
إلا أنه حصل على دعم بعض أبرز الشخصيات في اليمين واليسار، حتى إن كثيرين يعتقدون بأن
هولاند يدعمه سرا.
نظرته للمسلمين
وماكرون هو مرشح “التمسك بأوروبا”
في زمن البريكسيت (تصويت بريطانيا على الخروج) وتصاعد المشاعر القومية عبر العالم الغربي.
كما أنه يرفض، كما يقول، وضع الفرنسيين المسلمين “في مواجهة مع الجمهورية”.
ويقول إنه لن يقبل أبدا أن يوصم الناس بناء
على دينهم أو معتقداتهم، كما أنه يرفض أي تعصب على أسس دينية.
وسبق لماكرون أن دعا إلى بذل جهود لإعادة
الحياة إلى منطقة اليورو وإلى تعزيز السوق الأوروبية الموحدة، وضرورة الدفاع عنها في
مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأغضب ماكرون بعض الدوائر الفرنسية المحافظة
قبل بضعة أسابيع، عندما وصف الممارسات الاستعمارية الفرنسية بأنها كانت “جرائم
ضد الإنسانية”، وبالرغم من اعتذاره بعدئذ “لجرحه مشاعر البعض”، فإنه
لم يسحب ذلك التصريح.
وفي ما يخص السياسات الدفاعية، يقترح ماكرون
زيادة الإنفاق إلى 2 في المئة من الناتج الوطني الإجمالي، وهو مطلب ملح للولايات المتحدة
وغيرها من الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي.
ويطالب بوضع “خارطة طريق دولية”
لمحاربة “الإسلام المتطرف”، ووصف إفريقيا بأنها منطقة فيها “كل المخاطر
وكل الفرص” لفرنسا.
إلا أن هذا الشاب الوسيم مثل نجوم هوليوود،
يتهمه مناوئون بأن برنامجه يسعى لإرضاء أكبر عدد من الناس ليس إلا، وبأنه لن يكون قادرا
على الحكم لأن النظام السياسي في فرنسا يبقى برلمانيا، والبرلمان يبقى تحت سيطرة الأحزاب.
دخول ماكرون، رجل التوافق واللون الرمادي
إلى قصر الإليزيه، هو إعلان وفاة وحفل تأبين رسمي للأحزاب التقليدية في فرنسا وربما
في أوروبا، وقد تكون المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الاستثناء فهي تستعد للترشح
لفترة ولاية رابعة، وتبدو متناغمة مع ماكرون.