أنا احبكم جميعا، النبيل منكم والسافل، الصادق منكم والحقير، جميعنا سنموت والحياة لا تستحق كثير من الهم ولا قليل من التعالي، ولكي لا أقبل جباهكم حينما تموتون أو اكتب عليكم وأمدحكم، الآن اقبل جباهكم جميعا واكتب عنكم ولا زلتم أحياء.. أنا احبكم أصدقائي الذين ماتوا قبل اعطيهم حقهم من الحب والوفاء.. أنا آسف
أنا كنت احبكم جداً، لكنني ربما فشلت في التعبير عن ذلك!
وطني الذي يموت فيه الناس كل يوم.. أنا آسف لأنني عاجز عن فعل شيء وعجزت عن انقاذ أحدكم من الموت.
كل القبور التي لم أشعل فوقها شمعة.. أنا آسف فأنا لا امتلك ثمن شمعة.
الحمام التي غادرت بلادي هروباً من الرصاص إلى مكان تجد فيه من ينثر لها الحبوب.. أنا آسف.
أصدقائي الذين لم يموتوا بعد.. أنا آسف.
أنا احبكم جميعا، النبيل منكم والسافل، الصادق منكم والحقير، جميعنا سنموت والحياة لا تستحق كثير من الهم ولا قليل من التعالي، ولكي لا أقبل جباهكم حينما تموتون أو اكتب عليكم وأمدحكم، الآن اقبل جباهكم جميعا واكتب عنكم ولا زلتم أحياء.. أنا احبكم.
قبل فترة توفي صديقي، وبقى ضميري يؤنبني وإلى الآن لأنه في إحدى المرات وكانت الأخيرة رسل لي بالخاص، فرديت عليه أنني ساتواصل به غدا لحظتها كان التلفون على وشك نفاذ البطارية إلا أن ذلك لم يغفر لي مع ضميري، وفي غدا كان خبر وفاته قبل أن اراسله حسبما اتفقنا..
عني عندما سأموت سأتمناه للجميع، يا أن نموت سوياً أو نعتذر من ملك الموت ونطلب منه مهلة وبجاه الله..
الأحلام التي انتهت مع الحرب سأرفع عليها دعوة في محكمة الخيال.
في الصباح انتظر الظهر كي اخزن، وأحاول الهروب من الوضع المعاش..
في الليل اسمع اغنية لـ”كوكب الشرق”، وأعود للنوم مرة أخرى، أنا آخر من ينام في القبيلة، القبيلة الذي قال شاعرها صالح هادي في الثلاثينات:
لو قلت باقول الزوامل لوله ** إلى وجه من تاك الزوامل قولها
راحت زمان القبيلة والديولة ** جاء ذي طفح عرضها في طولها
مرت سنين وأنا كما أنا، لكنني الآن سأخرج دفتري الصغير وأسجل ملاحظاتي، وأضحك على خيباتي.
الكتابة محض هراء.
الكتابة آلة تعذيب
في هذه الليلة سأعترف لوحدي:
أنا شخص صعلوك ولا املك شيء، أكتب عن الضجر، عن التفاهات الكثيرة عن الساسة عن الحرب عن نوافذ الكاتدرائيات عن السيقان الملساء.
يمكنني أن أكتب ملاحظاتي و أبدع في كتابتها.. عن الاستفراغ على طاولة البار في اسطنبول حيث صديقي بعد تناوله مشروب غير مغشوش ولا أحتاج لمن يقرأ ما أكتب غير صديقي.
عندما كنت صغيرا وفي رأس السنة من كل عام كنت أفرح للاجازة من المدرسة، لكنني كنت اتظاهر بالمرض هروباً من أن ارعى أغنام جدتي والتي هي تفرح بالاجازة لذلك السبب، جدتي التي كذبت عليها عندما سألتني عن هادي يوم انتخابه فقلت لها إنه رجل وطني، فكانت كذبتي التي لن تغتفر.. أنا آسف يا جدتي على كذبتي تلك.
كبرت في هذا العام والآن أنا اسهر لوحدي وغالبا أشعر بالغثيان من حال البلد
والجميع يشعر بالغثيان ونستفرغ كل عشاء.
الإستفراغ سيكون عنوان كتابي القادم والذي ستمزقه ابنتي حينها في لحظة غضب منها.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.