كتابات خاصة

من قصص المعتقلين (1)

فكرية شحرة

بعد أربعة أشهر
أيامها الحزن ولياليها القلق وساعاتها الدموع وثوانيها الدعاء..
سألقاه أخيرا..
حتى من وراء ألف سياج لن تفصل روحينا قضبانهم أو طغيانهم بعد أربعة أشهر
أيامها الحزن ولياليها القلق وساعاتها الدموع وثوانيها الدعاء..
سألقاه أخيرا..
حتى من وراء ألف سياج لن تفصل روحينا قضبانهم أو طغيانهم..
أخيراً وجدته بعد بحث طويل وآمال كلما رفعت سقفها هدمتها الأخبار الكاذبة وخداع ومماطلات لا تنتهي.
ما إن ميزت صوته قادماً من بعيد حتى تلاشت معاناة تلك الشهور الطويلة؛ نسيت أن أهلي نزعوني من بيتي وعادوا بي إلى ذمار محاولين اقناعي بالانفصال عن زوجي؛ نسيت ذلك الهلع الذي يعاني من تبعاته صغاري حتى اليوم؛ نسيت حتى ضيق الحياة من صدى صوته فقط.
يا إلهي.. لا أكاد أصدق!!
هذا هو.. زوجي..كأنه هو..
يقترب بطيئاً على ضربات قلبي المتسارعة، فوق بساط نظراتي الملتاعة والخائفة..
هذا هو.. من يهتز لخطواته المتعثرة عرش قلبي حزناً ومساندة، لقد أخذوه ذات صباح من بين أطفاله بقوة السلاح وجبروت الطغاة؛ لم يراعوا بكاء طفليه وتشبثهم بساقي والدهم ولم يراعوا أنه مستسلم لإرادتهم خوفاً على طفليه من فاجعة اختطافه أمامهم بكل تلك الوحشية والهمجية..
أربعة أشهر أبحث عنك.. فماذا تبقى منك يا رفيق الدرب سوى بقايا محطمة؛ تحاول الابتسام في وجهي عبر السياج والقضبان والاحباط والألم..
همس بوجع: أنا بخير.. كيف أنت والأولاد؟
أجبته بفيض الدموع لعلها تكفيني مشقة الحروف وتصف خوفي وألمي مما يلاقيه في سجون الاعتقال..
كل شيء فيه يقص حكاية تعذيب لا يحتمل هنا؛ جسده الذي تعرى من تمزيق الضرب لا تستره إلا الجراح؛ يرتدي دمائه فقط كسوة تيبست عطشاً للراحة من عذاب.
نحل الجسد وبهتت العيون انتظارا للأفراج؛ وظمأت الروح للحرية فذوت عطشاً من وعود الشرعية والجلاد .
همس بثقة: سيفرجها الله..
ثقتي به ليس لها حدود.
لذا اخترته بعد أن خيرني أهلي بينهم وبينه؛ تركت أهلي بعد رفضي الطلاق منه وعدت لصنعاء.
بحثت عن عمل أعول به نفسي وطفليّ في حياة لا يلتفت فيها أحد لهموم الآخرين لثقل همومه.
حاولت أن أبقى قريبة من زوجي حتى استطيع متابعة أمر الافراج عنه.
في كل زياراتي المتباعدة أحمل له بعض الأكل والمستلزمات التي يحتاجها رغم أن ادخالها بصعوبة اخراجه هو من المعتقل.
طالت فترة اعتقاله وفقدت عملي بعد أشهر من التحاقي به وبدأت ابيع كل ما أملك من أثاث البيت لم أعد في زياراتي اللاحقة أحمل له سوى الثياب؛ أصبحت أعاني وضعاً مادياً صعباً يزداد كل يوم بؤسا وترديا بلا سند أو معونة من قريب أو بعيد.
طرقت كل الأبواب التي قد تمنحني أملاً بخروجه أو مساعدتي على البقاء قوية..
كل الأبواب تغلق إما عجزاً أو ازدحاما بمن هم مثلي يبحثون عن مساندة..
لم يعد هناك سوى بابك يا الله لن يغلق في وجه دعاء المقهورين.

*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى