لن تستمر الدولة غنيمة، ولن تتغلب المشاريع الصغيرة على اليمنيين.. أما المشكلة اليمنية، فسوف تتعمق أكثر كلما شحت الممارسات الوطنية و الديمقراطية والدستورية وانتشت الحروب الداخلية بالمقابل. لن تستمر الدولة غنيمة، ولن تتغلب المشاريع الصغيرة على اليمنيين.. أما المشكلة اليمنية، فسوف تتعمق أكثر كلما شحت الممارسات الوطنية و الديمقراطية والدستورية وانتشت الحروب الداخلية بالمقابل.
لذلك على الحوثي مغادرة الذهنية الاستعلائية، وأن يفهم جيداً بأن ايقاف الحروب ليس هزيمة على الإطلاق.
فالحاصل أن تمثال الذرائع الحوثية يتحطم كل يوم، كما لم يعد لدى الحوثي ما يتذرع به.
لقد استنفد كل مهاراته الاقناعية لتجميل قبح ما تقترفه ميليشياته في عموم البلاد، بينما لا يتوقف دقيقة للمراجعات ممعنا في اختياره للهرولة مغمض العينين فقط.
ثم من ينسى أن الحوثي كان يتحدث عن الجرعة وعينه على الدولة؟
وأن الميليشيات انتجت المعضلة الكبيرة التي تسببت في تعطيل الدولة و انقسام المجتمع؟
وأن الأفكار التضليلية والمخادعة لا تؤدي أبدا إلى مواطنة متساوية وسيادة قانون واصلاح وتحقيق دولة السعادة المجتمع؟
على أن من يتمترس وراء أوهامه يبقى من الصعب عليه أن يكون إيجابيا وواعيا.. وبالتأكيد لا يستطيع الماضي عرقلة حركة المستقبل أو احتكاره بالمعنى العبودي والرجعي إطلاقا.
والشاهد أن تقويض الدولة واختطافها أكبر إرهاب وأكبر فساد. وبالتالي لا سلام مع سلاح خارج نطاق الدولة الضامنة لمصالح جميع اليمنيين. كذلك لن تقوم لليمن قائمة، إلا إذا احتكرت الدولة السلاح، ما لم فستبقى مرتعا للعصابات المسلحة من كل صنف ونوع.
والمعنى أنه لا بد من دولة، كي تمنح الوجود الإنساني معناه الجميل، وتحافظ على إزدهار العيش والعدل المشترك.. لكن لا دولة في بلد المشايخ والسادة، فكلما ارتكز امشيخ وامسيد سقطت الدولة.
لكن ليس بالأمنيات وحدها، كان سيتم الوعي بالدولة التي تحتكر السلاح ويسودها القانون، وإنما بإيمان كل من ينتهكون القانون ويستقوون بالسلاح بذلك الوعي أولا. ثم لابد من الوصول لهذه النقطة الفارقة التي يبدأ عندها وعي الدولة الحقيقي طال الزمن أو قصر.. والثابت أن كل الذين أعاقوا وصولنا كشعب لتلك المرحلة، سمعناهم وهم يصرخون بحثا عن الدولة، عندما مسهم الضر.. وهذا فقط هو ما يجب أن نسمعه من قبل كل الأطراف المعيقة للدولة بالطول بالعرض.
ولذا فلتتجاوزوا الإنتماء المذهبي ولتعودوا لانتماءاتكم السياسية، بدلا من الإستمرار الغبي كجماعات طائفية ما قبل وطنية.
فالطائفية لا ترسخ العيش المشترك.. وليكن الولاء للمواطنة، وليس للطائفة لأن استمرار الولاء للطائفة معناه تكريس الولاء لقيم ماقبل الدولة.
وأما المواطنة فهي فوق الطائفة، بينما لادولة حقيقية بلا مواطنة متساوية.
في السياق يبقى خلو المجتمع والدولة من قيم ومبادئ الحرية والمساواة أمام القانون، هو ما سيظل ينتج صراعات وصدامات عنفية لاديمقراطية تشل الدولة والمجتمع معا.
ولقد كانت وما زالت الميليشيا هي أعظم الشرور في هذا السياق، ذلك لأنها لاتخضع لمفهوم الدولة، كما تريد إجبار المجتمع على أجنداتها وايديولوجياتها فقط. غير أن تآكل الدولة هو الذي كان يسوغ لنمو الميليشيا تاريخيا.. فالدولة المتحجرة ذات الاختلالات الوطنية الحادة، والتي تسرف في عدم معالجة قضاياها المتراكمة ، كما ترفض إعلاء مكانتها القوية في المجتمع، ليس غريبا عليها أن تتحول إلى بيئة مثالية وخصبة للميليشيا.
وإذ تتنكر الميليشيا لكافة حقوق المجتمع، فإنها تدأب على أن تكون بمثابة الوضع الطبيعي الوحيد داخل هذا الوضع اللاطبيعي، متغافلة عن أنها هي التي لعبت الدور الحاسم في تفجيره أصلا -كما حدث لدينا- ليتكرس اليوم بإعتباره وضع إحلال العنف بدلا عن السياسة، وإدعاء الوصاية على الدولة والمجتمع.. وضع التباهي بتقويض المشتركات الوطنية الكبرى، والإعتماد على زعزعة الإستقرار لمواصلة إزدهار تجار و تجارة الحرب.
وعلى وجه التحديد: ينطوي هذا الوضع الصراعي الكارثي المنفلت على جملة تداعيات هستيرية ومتوحشة، تصمم على تكريس إجراءات وممارسات استبدادية وانتقامية محلية، ذات طابع تطييفي وتفكيكي، يتجاذب أيضا مع عوامل وفواعل الصراع الإقليمي، إضافة إلى إتجاهات ورغبات ومصالح السياسات الدولية، التي تؤكد بوضوح فاضح -وبلا شك- عدم مبالاتها بالمدنيين المتضررين كما بكل مبادئ الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان الأصيلة التي كانت تزعمها وتحث عليها.
وبالطبع فإن أكثر التحديات تعقيدا في الدول العربية التي أصيبت بلعنة الميليشيا -واليمن على رأسها للأسف- هو اختراق الميليشيا للجيوش المثخنة بالفساد والعصبوية، وتحويلها إلى تابع لها، ما يعني الحط من قيمتها الوطنية الرمزية الجامعة، وتلك هي الصدمة الوجدانية الكبرى التي -ولعدة أسباب متشابكة برأيي- صارت تبدد أكثر من غيرها الآن، مختلف آمال السلام والمصالحات المجتمعية، وإستعادة شخصية الدولة وجبر ضرر الحرب بأقل الخسائر، خصوصا مع الإرادات الغامضة التي لاترى في المشهد سوى مخاطر الإرهاب فقط -مع انه مرفوض ولا يمكن ان تكافحه سوى حالة الدولة وليس اللادولة كما هو حاصل- في حين تتحرك تلك الإرادات الغامضة داخل المشهد لتحويل الميليشيا إلى مصاف الجيوش-تماما كما نرى من حولنا هنا أو هناك- فضلا عن تحويل الجيوش إلى مصاف الميليشيا بالمحصلة.. ويا للأسى ويا للعجب أيضا!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.