عليَّ أن أمخمخ لكتابة هذه المأساة. المخمخة هذه توجيه إرشادي دلني عليها الشخص الذي أرسل المعلومات عن عشرين قرية. وتعني: تجليس الدماغ للكتابة بشكل ملهم. عليَّ أن أمخمخ لكتابة هذه المأساة. المخمخة هذه توجيه إرشادي دلني عليها الشخص الذي أرسل المعلومات عن عشرين قرية. وتعني: تجليس الدماغ للكتابة بشكل ملهم.
لا أستطيع التعبير عن كل ما يعرض عليّ، أعرف التهكم الذي سيلحق بهذه الجملة: عامل نفسه روبرت فيسك.
فيسك، إن كان ما يزال على قيد الحياة، فسيكون هانئًا في أرقى مدينة في العالم، يعيش حياة رغيدة، بعد أن ذل الصحفيين بالحرب التي عايشها، كتب عنها حتى الملل.
في الوقت الذي يشرب فيه الويسكي الاستكلندي، أرى الأرض تشرب دمًا وأغرق في تفاصيل المأساة.
وفي الوقت الذي يتابع فيه محررو الصحف الكبرى، أخبار الفضاء، أتملى القرى التي تخرج منها أحاديث الإغاثة كما يخرج أدخنة الحطب من مقاطير المنازل.
والغرض أصلًا من هذا العرض: الإغاثة.
كان أبناء القرى يسامرون القمر ويرعدون بضحكات مجلجلة، أف من تقلبات الزمن، لم يتبق إلا ابتسامات مُكابِرة للوجع الممض.
وبدلًا من الغمزات التي تُسرب أحجار الدومينو بين لاعبي الفريق الواحد، حلت الظنون.
من يلقى شخصًا بجيبه قلمًا وورقة يستفسره: سجلت اسمي.
الطاعنة في السن والأرملة، ملّاك الأرض والمعلمون، الجنود وشقاة المجارف يسألون ظانين بأن من يكتب بورقة هذه الأيام يسجل كشوفات الإغاثة. هذا الواقع في قرى تبعد عن الحرب. كيف بعشرين قرية تقع في مناطق نزاع مسلح؟
القرى، في عزلتي حذران والربيعي، في التعزية أكبر مديريات محافظة تعز، منكوبات من قبل الحرب: مصانع السمن والصابون، مصنع الشمة، مصنع للطلاء الكيماوي، مخازن الديناميت، الكسارة، مكب نفايات المدينة، كل ذلك هناك أتلف الكثير من الأرض الزراعية، وجلب الكثير من الأمراض والتشوهات، لتأتي “أم الكوارث” كما وصفها الموثوق الذي أرسل المعلومات، وهي دخول المليشيا المنطقة وتحويلها إلى ساحة حرب.
جرحى ومعتقلون، مرضى ومعاقون.
الشهداء المدنيون، الذين قتلوا من العزلتين: 99.. بعدد أسماء الله.
التهجير القسري لأكثر من ثمانمائة أسرة، الأسر النازحة التي وصلت المدينة فقط مائتي أسرة. خلف كل أسرة قصة.
“ناهي لك.. اكتب ثمانمائة قصة”.
بيوت مهدمة ومساجد، سيارات منهوبة وممتلكات، مدارس مهدمة. والأنكى إثخان الناس بأوجاع على أوجاعهم.
أرقام كثيرة لمساحة قصيرة تجعل روبرت فيسك حائرًا وسيصمت عن تغطيته للحروب.
المخمخة لن تجلب حلًا. ولا أعتقد أن العاملين في منظمات الإغاثة يقرأون المقالات.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.