المونيتور الأمريكي: عاصمة الثقافة اليمنيّة ترزح تحت نارين
نشر موقع المونيتور الأمريكي تقريراً عن محافظة تعز، وسط اليمن، التي ترزح تحت معاناة كبيرة بالرغم من كونها تصدرت نصف قرن من التحولات السِّيَاسِيَّة في اليمن.
يمن مونيتور/ صنعاء/ متابعة خاصة:
نشر موقع المونيتور الأمريكي تقريراً عن محافظة تعز، وسط اليمن، التي ترزح تحت معاناة كبيرة بالرغم من كونها تصدرت نصف قرن من التحولات السِّيَاسِيَّة في اليمن.
وقال التقرير الذي كتبه الصحفي اليمني “أحمد الولي”: تمرّ محافظة تعز اليمنيّة في محنة كبيرة تكاد تقوّض مكانتها، التي تصدّرت على مدى أكثر من نصف قرن التحوّلات السياسيّة في البلاد، ولطالما أشير إليها أنّها العاصمة الثقافيّة لليمن. قبل أن تسميها حكومة الرئيس عبدربه هادي –رسميا-عاصمة ثقافية لليمن في 2012.
ويشكّل أبناء المحافظة المسماة باسم عاصمتها الكثافة السكانيّة الأعلى في البلاد، الأمر الذي يضاعف وطأة آثار الصراع عليها ويضعها في قلب المعاناة التي تعيشها اليمن المهدّدة بمجاعة.
وبحسب المركز الوطني الحكومي للمعلومات فإن تعز تمثل ما نسبته (12.16%) من سكان اليمن، وتحتل المرتبة الأولى من حيث عدد السكان وفقا لنتائج التعداد السكاني لعام2004م حيث بلغ عدد السكان(2393425).
ولهذه المحافظة أهمية قصوى في الجغرافيا السياسية اليمنية، إذ تتوسط محافظات الجنوب الخاضعة لسيطرة حكومة الرئيس هادي ومحافظات الشمال الخاضعة لسيطرة حكومة صالح والحوثيين، كما أن ساحلها الجنوبي الغربي يطل على مضيق باب المندب الاستراتيجي الذي تمر منه ثلث تجارة النفط يومياً، الأمر الذي أكسب موقعها أهمية بالغة في الصراع الحالي ويزيد من تمسك المتحاربين بالسيطرة عليها.
إضافة إلى أهمية موقع تعز الجيوسياسي, فهي أيضاً ذات تأثير سياسي وثقافي كبير كونها قاعدة للعمل السياسي المدني واليها ينتمي معظم قادة الأحزاب السياسية ومؤسسوها, فضلاً عن شيوع معدلات التعليم بين نسبة كبيرة من سكانها.
لذلك فالسيطرة عليها ترسل إشارة إيحائية إلى باقي المناطق أن الطرف الذي سيطر عليها قد قطع شوطاً كبيراً نحو بسط سلطته على كامل البلاد.
يقاسي سكّان تعز (205 كلم جنوب العاصمة صنعاء) رعباً متواصلاً بسبب الحرب الأهليّة المندلعة منذ عامين، والتي راح ضحيّتها مئات المدنيّين بين قتلى وجرحى، إضافة إلى انهيار النظام الصحيّ والشحّة الكبيرة في الغذاء.
تعز منكوبة
وفي هذا السياق، أشار الاستشاريّ في برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ UNDP جلال الدين الخولاني عبر الهاتف من تعز لـ”المونيتور” إلى أنّ تعز باتت مدينة منكوبة من جرّاء الحصار والحرب، الذي يفرضه الحوثيون وقال: إنّ الأمراض وسوء التغذية يهدّدان المواطنين، وفاقم هذه المأساة انقطاع رواتب موظّفي الدولة، وتعذّر وصول المساعدات الإغاثيّة للمتضرّرين والنازحين.
وكانت منظّمة “أطبّاء بلا حدود” ذكرت ببيان نشر في موقعها على الإنترنت بـ30 كانون الثاني/يناير من عام 2017 أنّ الأوضاع المعيشيّة تزداد صعوبة في تعز، حيث أجبر كثيرون على الفرار من منازلهم هرباً من القتال، وهم يعيشون في مستوطنات موقّتة، من دون مرافق الصرف الصحيّ والحاجات الأساسيّة.
يلجا الفارون من القتال الى ريف تعز، والكثير منهم نزحوا الى محافظة اب المجاورة، ويسكنون مخيمات تفتقر الى ابسط الخدمات الاساسية
من جهتها، أشارت الناشطة الحقوقيّة التي تعمل في تعز لمنظمة مواطنة سالي أديب في حديث لـ”المونيتور” إلى أنّ المدينة تعاني منذ دخول الحوثيّين واندلاع الحرب أوضاعاً مأسويّة بالغة الحدّة، تزداد تعقيداً كلّ يوم، وقالت: “فرض الحوثيّون حصاراً غير مسبوق على تعز، مستغلّين سيطرتهم على أهمّ مداخل المدينة، ممّا تسبّب في خلق أزمة إنسانيّة على كلّ الأصعدة الصحيّة، الغذائيّة، الخدميّة، والتعليميّة”.
المزيد من النفوذ
لقد عقّد مسلّحو الحوثيّ عمل منظّمات الإغاثة التي صار وصولها إلى المتضرّرين المستهدفين أمراً في غاية التعقيد.
بدوره، قال سعيد الصلوي، وهو مواطن من أبناء مدينة تعز، لـ”المونيتور”: أكثر ما نحتاج إليه الآن هو الطعام، أفكّر في ألاّ أعود أبداً إلى المنزل حين لا أستطيع أن أوفّر لأسرتي الغذاء.
فضلاً عن الوضع الإنسانيّ الكارثيّ من جرّاء الحصار والقتال المتواصل داخل المدينة بين جماعة الحوثيّين (أنصار الله) المتحالفين مع الرئيس السابق عليّ صالح، وقوّات الرئيس عبد ربّه منصور هادي المدعوم من التّحالف العربيّ بقيادة السعوديّة، أضاف صراع داخليّ بين فصائل المقاومة معاناة جديدة تخنق المدينة وتنشر الفوضى الأمنيّة فيها.
وجدت هذه الفصائل المسلّحة، التي نشأت خلال الحرب، فرصتها في اكتساب مزيد من النفوذ والمقاتلين حتّى باتت تسيطر على أجزاء واسعة من المدينة، الأمر الذي زاد الوضع الأمنيّ سوءاً.
وتتّسم خارطة الفصائل المسلّحة التي تتقاسم السيطرة على المدينة بالتداخل والتشعّب، الأمر الذي دفع بالصراعات البينيّة والفوضى الأمنيّة الناتجة منها إلى مستوى معقّد.
تتفق جميع الفصائل على امر واحد وهو مواجهة قوات (الحوثيين وصالح) لكنها تختلف ــ وتتقاتل احياناً ــ على المكاسب والنفوذ ومناطق السيطرة، وهي غير خاضعة لحكومة الرئيس هادي على غرار المقاومة الشعبيّة وكتائب أبو العبّاس وكتائب حسم وكذلك تنظيم القاعدة.
وخلافاً لبقيّة المحافظات اليمنيّة الخاضعة لسيطرة حكومة عبد ربّه منصور هادي، التي تحظى بجيش تمّ تأهيله وتدريبه أخيراً، يبدو مستقبل محافظة تعز ضبابيّاً مع سطوة هذه الفصائل المسلّحة على المشهد وغياب القوّات النظاميّة، وأيّ دور لملامح الدولة.
يتدهور الوضع في تعز في كل يوم تستمر فيه الحرب وبالرغم من انخفاض حدة القتال مؤخراً إلا ان الجماعات المسلحة ما زالت تحتل معظم المدارس فضلاً عن خروج 468 مدرسة من إجمالي 1624، عن الخدمة وحرمان 250 ألف طالب من التعليم، من إجمالي 800 ألف طالب.
قالت مفوضية شؤون اللاجئين إن 48 ألف شخص شردوا من منازلهم في تعز خلال الأسابيع الستة الماضية وحدها.
يحتاج ابناء المدينة الى التقاط انفاسهم. يموت البعض بسبب امراض يمكن الوقاية منها، فيما تكافح ما تبقى من المستشفيات الصمود في وجه الصعوبات ونقص الادوية.
تفاقم في تعز معدلات سوء التغذية، وخاصة بين الأطفال ويعيش ابناء المدينة حالة انسانية صعبة. يقترب الوضع في كل يوم من نقطة الانهيار.