الحرب أجبرت آلاف التلاميذ على ترك مدارسهم واضطرتهم للعمل لتوفير لقمة العيش. يمن مونيتور/وحدة التقارير/ خاص
لم يحالف الحظ الطفل عمار محمد عبدالله البالغ من العمر “8” سنوات، لكي يلتحق بأحد المدارس في العاصمة صنعاء، فالحرب التي تنخر في جسد البلاد دمرت المستقبل الذي يحلم به.
عمار هو الابن الرابع في عائلته، يكافح والده الذي يعمل في مجال البناء من أجل توفير مصاريف الأسرة وإيجار منزلهم المتواضع في حي ذهبان شمال العاصمة صنعاء، وأمه هي الأخرى تعمل في مجال تنظيف المنازل لكن الأزمة المالية وغلاء المعيشة وتوقف الأعمال، ضاعفت معاناة والديه وأصبح اخوته الثلاثة يواجهون خطر التوقف عن مواصلة تعليمهم.
كل هذه المعاناة دفعت “عمار” للتمرد على الحياة، والخروج للعمل لمساعدة والديه في الإنفاق على المنزل والتضحية من أجل مواصلة إخوانه تعليمهم.
يخرج الطفل عمار كل صباح حاملا فوق ظهره كيسا ينوء بحمله الكبار، يجول في الشوارع وبالقرب من صالات الأعراس وحيث توضع القمامة للبحث عن علب الماء الفارغة ثم يذهب بها إلى أحد المحلات التابعة لمصانع البلاستيك أو أصحاب الكافتيريا لبيع ما جمع من علب بلاستيكية والتي هي الأخرى تبخس عمار عندما تشتري منه بثمن بخس لا يتجاوز 500 ريال يمني للكيلو.
عمار وببراءة الطفولة عبر لمراسل “يمن مونيتور” عن حزنه لأن العديد من زملائه التحقوا بالمدارس، منهم من يدرس في المدارس الخاصة ومنهم من درس في مدارس حكومية.
ويخفي عمار في عيونه حزنا كبيرا ودموع محبوسة تحكي صورته الشاحبة التي تصطلي بين حر الشمس قصة أسرة مكافحة يهاجمها الفقر والمعاناة من قبل الحرب، أما بعد الحرب فهي تكافح شبح الجوع الذي يحاصرها كلما ازداد سعير الحرب وتضاعفت الأزمات وأصبح الجوع والموت والمرض الثلاثي المظلم الذي يطاردها ويلتهم ملايين الأسر اليمنية.
أرقام وإحصائيات
ووفقا لآخر الأرقام الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في صنعاء، فإن عدد الأطفال خارج المدرسة في اليمن كبيراً حتى قبل هذا النزاع، لكن الرقم تضخم إلى 2 مليون طفل بعد تعذر مواصلة التعليم لأكثر من 350 ألف طفل بسبب إغلاق المدارس العام 2016.
وحسب المنظمة الأممية، هناك أكثر من ألف و600 مدرسة تضررت خلال النزاع أو أنها تؤوي نازحين أو محتلة من قبل جماعات مسلحة.
وتسبب تسرب الأطفال من التعليم في تزايد معدلات تجنيد صغار السن، بالإضافة إلى ارتفاع معدل عمالة الأطفال، والتسول في الشوارع، مع لجوء غالبية الأسر إلى آليات تأقلم للبقاء على قيد الحياة.
التجنيد الإجباري
ليس الوضع الإنساني وحده من دفع الأطفال في اليمن لترك مدارسهم، فالتجنيد الإجباري لهم ممن هم دون السن القانونية وإجبارهم على حمل السلام والتوجه إلى جبهات القتال هو الآخر دفع شريحة كبيرة من الأطفال لترك مدارسهم
وخلال الأشهر الأخيرة، تزايدت معدلات التجنيد الإجباري بوتيرة عالية، وخصوصا بعد معارك الاستنزاف الطويلة التي شهدتها جبهات القتال، ودخلت عامها الثالث، الأيام الماضية.
ووفقا لآخر إحصائيات منظمة “اليونيسيف”, فقد تم التحقق من تجنيد ألف و572 طفلاً للمشاركة في القتال أو استخدامهم من قبل الأطراف المتحاربة لتنفيذ مهام غير عسكرية.
وتقول الأمم المتحدة، إن بعض المجندين “لا تتعدى أعمارهم 8 سنوات”.
واتهمت مفوضية حقوق الإنسان، الشهر الماضي، وبشكل صريح الحوثيين بتجنيد العدد الأكبر من الأطفال، فيما أدانت فرنسا ومنظمة العفو الدولية قيام الحوثيين بتجنيد الأطفال واعتبرت تلك الأعمال جريمة ترقى إلى مستوى جرائم الحرب.
وسجلت العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، حالات اختفاء لأطفال، عرف أهاليهم فيما بعد أن قيادات أمنية حوثية قد أخذتهم إلى جبهات القتال.
التعليم يحتضر في 13 محافظة يمنية
من جانبها قالت ممثلة المنظمة في اليمن، “ميرتشل ريلاني”، إن تعليم أربعة ملايين ونصف المليون طفل في 13 محافظة يمنية على المحك.
وأشارت إلى أن تدهور التعليم سببه قطع الرواتب على أكثر من 166 ألف معلم ومعلمة في 13 محافظة بما يعادل 73% من إجمالي الكادر التعليمي في اليمن بدون رواتب منذ ستة أشهر.
وأوضحت “ريلانيو” إن معظم الطلاب في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي المسلحة يتلقون تعليم أقل أو لا يحصلون على تعليم بالمطلق.
ودعت كافة السلطات التعليمية في مختلف مناطق اليمن للعمل جنباً إلى جنب لإيجاد حل فوري ودفع رواتب جميع المعلمين والمعلمات والتربويين حتى يتمكن الأطفال من مواصلة تعليمهم.
وأكدت أن المحافظات التي أصبح التعليم فيها يحتضر هي، إب، أمانة العاصمة، البيضاء، الجوف، الحديدة، المحويت، تعز، حجة، ذمار، ريمة، صعدة، صنعاء وعمران.
وطالبت ” ريلانيو” الالتزام غير المشروط من كافة أطراف النزاع والأطراف ذات النفوذ لدعم تعليم جميع الأطفال في كافة أنحاء اليمن.
وشددت على أن يظل تعليم كل الأطفال في اليمن فوق كل الاعتبارات السياسية.