آراء ومواقف

“الهوشمة” الانتحارية

مروان الغفوري

استقرت الجمهورية بعد العام ١٩٧٠، بعد سنوات مريرة من الحرب الهجينة. خاضت السعودية تلك الحرب إلى جانب الملكية الإمامية معتقدة أنها أقل ضرراً على وجود المشروع السعودي من الجمهورية. مع الأيام استوعبت السعودية، واحتوت، مشروع الجمهورية على أن يعيش بمعزل عن الديموقراطية. حصلنا، خلال العقود الماضية، على مشروع لجمهورية إمامية. تنكر الإماميون في الهندام الجمهوري، ومثلنا تحدثوا عن الدولة والحقوق. وبدلاً عن فكرة الدولة الديموقراطية، في نقاش القوى الوطنية، كان محمد عبد الملك المتوكل يقفز دائماً إلى الحديث عن “الدولة العادلة”. استقرت الجمهورية بعد العام ١٩٧٠، بعد سنوات مريرة من الحرب الهجينة. خاضت السعودية تلك الحرب إلى جانب الملكية الإمامية معتقدة أنها أقل ضرراً على وجود المشروع السعودي من الجمهورية. مع الأيام استوعبت السعودية، واحتوت، مشروع الجمهورية على أن يعيش بمعزل عن الديموقراطية. حصلنا، خلال العقود الماضية، على مشروع لجمهورية إمامية. تنكر الإماميون في الهندام الجمهوري، ومثلنا تحدثوا عن الدولة والحقوق. وبدلاً عن فكرة الدولة الديموقراطية، في نقاش القوى الوطنية، كان محمد عبد الملك المتوكل يقفز دائماً إلى الحديث عن “الدولة العادلة”.
مضت الأمور على ذلك النحو، وبدا مع ٢٠١١ أن فكرة الجمهورية الإمامية في طريقها إلى الضياع. كانت مسودة الحوار الوطني النهائي، ومشروع الدستور الجمهوري، قد قرعت الأجراس.
سوت الإمامية معاركها الداخلية، وتصالح أحد أبرز رجالها “الحوثي” مع وكيل مصالحها الأهم “صالح”، فثمة خطر هو أكبر من صراع النفوذ والثروة داخل الجماعة الواحدة! إنه صراع وجود.
للإمامة ألف وجه، وألف شمس مطفأة، تشرق وقتما تشاء. تحركت أول العجلات النارية للإمامة من صعدة، واستطاعت تحويل المنطقة الممتدة من أقصى الشمال إلى شمال الوسط إلى “منطقة حوثية”. ليس هناك من معنى للحوثية سوى الهوشمة. فالحوثية ليست إثنية خاصة، هي مجرد واحدة من معسكرات المشروع الإمامي الكبير. كانت أجزاء من اليمن تصبح، على نحو متزايد، حوثية، أي هاشمية. لقد هوشموا كل شيء في طريقهم، البشر والجبال والأمطار.
ثم صارت “صنعاء مدينة هاشمية”، كما كان السيد يهمس لرجاله في “جدائل صعدة”. مع سقوط صنعاء تحركت ماكنة الهوشمة، وراحت تغير في طبيعة كل شيء. بينما كانت اليمن تغرق شوهدت السلالة الهاشمية وهي تطفو، ومع خراب الديار بنت الهاشمية قصورها الحديثة. قبل أيام قرر أحد خطباء مساجد صعدة، وقد نصبه الحوثي رئيساً، اختيار لجنة جديدة لصناعة الفتوى في اليمن. اللجنة المصغرة، السداسية، كلها هاشمية. الفتوى، بما هي سيطرة على الضمير العام ومرجعية للسياسة والأخلاق والأمن، لا يمكن أن تترك للرجال غير الهاشميين. فالدولة الهاشمية لا بد وأن تُحرس بنظرية هاشمية، وتلك النظرية عليها أن تستند إلى مصنع هاشمي قادر على رفدها بآلات السيطرة والاحتواء على مر الأيام.
شوهدت قوائم الشبان الهاشميين وهي تصعد إلى مستويات عالية في الهيراركية العسكرية، ومن جندي إلى لواء. وفي الحرب شوهدت الجنازات الهاشمية وحسب. بحسب معلومات ميدانية استندت، في الأساس، إلى كشوفات مشافي حجة وراصدين محليين فقد سقط حوالي خمسة آلاف وأربعمائمة قتيل في الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية للمملكة وفي جبهتي ميدي/حرض. فقط عشرات الجنازات شوهدت، وخلد الحوثيون القتلى الهاشميين وحسب. تلك الأمة المهدورة ليست هاشمية، وقد خلقت لتكون مطايا للرجل المبجل، ولتحمل عبئه وآثامه، على أن يبقى هو نقياً وخفيفاً.
الهوشمة المستميتة، وهي تضع كل تحذيرات التاريخ تحت قدميها، هي عملية انتحارية. فالجمهورية اليمنية ليست شواطئ مهجورة، والهاشمية ليست قبائل الفايكنغ. حتى الشواطئ المهجورة هزمت الفاكينغ في نهاية المطاف. نحن بصدد حرب معقدة، وليست أبدية. ومن الأفضل أن تبقى الجسور الاجتماعية قائمة لأن التاريخ سيعمل، على طريقته، لإعادة دمج الأمة اليمنية مع ذاتها من جديد. هوشمة الأمة اليمنية، وتحويلها إلى مجرد كرنفال من العراة والمحاربين تهتف للهاشمي الملك في المواسم، لن تفلح. فلا يمكن تزييف ملامح أمة من الناس في العصور الحديثة. يظهر عبد الملك أمامهم من حين لآخر ليشكر اليمنيين “نيابة عن رسول الله”. النائب هو أيضاً القائم بالأعمال. كانت زلات اللاوعي الفرويدية توقع عبدالملك، وقد انتقل سريعاً من ابن النبي إلى القائم مقامه، أي النبي ديفاكتو. فما من معنى آخر يمكن استنباطه من كلام رجل يقول للأمة “نيابة عن رسول الله أشكركم”، كما في زلة اللسان الشهيرة التي علق عليها موسى النمراني، قبل ستة أعوام، قائلاً: ونحن نطلب منك أن تقول لرسول الله لا شكر على واجب.
مجلس الإفتاء الهاشمي صدر به قرار من “الرئيس” الصماد. الرئيس الصماد هو مجرد خطيب لأحد جوامع الهاشمي الحوثي في صعدة. يملك عبد الملك الحوثي القدرة على أن يفعل ب “الرئيس الصماد” ما يشاء، وقتما شاء. صار لدينا وضع جديد يقع فيه “الرئيس” تحت قدمي السيد بمائة درجة، وأكثر. بينما احتفظ السيد الهاشمي بجلاله الزائف، بنقاوته العرقية ذات الطبيعة البربرية، راحت هيبة كل شيء تزول، أو تنحو منحى هاشمياً. ولأن الرئاسة أقل شأناً، في التقدير الهاشمي، من كون الرجل سيداً فقد عُهد بها إلى رجلٍ من صغارهم. بذلك يخسر اليمنيون المنصب الأعلى. لم يقل الحوثي إنه يرفض الجمهورية، لكنه جعل منها شأناً خفيف القيمة، وربما مخجلاً.
كل شيء يخضع، حالياً، لعملية هوشمة بنيوية فجة. اليمن، ما تبقى منه في قبضة الهاشميين، يتسرب في متتالية هوشمية لانهائية. لكن الهوشمة تلك هي أيضاً آخذة في الانحسار، بينما هي تزدهر. وكما انحسرت عن البحار ومدن الجنوب والشرق فهي أيضاً آخذة في الانحسار حتى من التاريخ نفسه. وما يأتي سريعاً يذهب سريعاً. يمارس الهاشميون، حالياً، عملية استمناء جماعية. باليد اليمنى يجلدون عُمَيرة، ويرفعون اليُسرى هاتفين “النصر للإسلام”، وما إن تكتمل اللذة الجماعية حتى يكون كل شيء قد انتهى، انتهى تماماً. يا لها من لذة عابرة لسلالة عابرة في كلام عابر.
*من صفحة الكاتب في (فيس بوك)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى