محمد قحطان.. رجل بحجم وطن (بورتريه)
رجل في الخمسينات من العمر، يرتدي بدلته الزرقاء الداكنة، وقميص “أبيض “، بربطة عنق تشبه لون بدلته، غزا الشيب رأسه ولحيته، يجيد تسريحة شعره، فيما يبقي على شعر لحيته القليل، متركزاً تحت ذقنه، تحت إبطه الأيسر يحمل “ملف” أصفر اللون به عشرات الأوراق غير المرتبة، مختلفة الأحجام، والاهتمامات.
يمن مونيتور/ خاص/
رجل في الخمسينات من العمر، يرتدي بدلته الزرقاء الداكنة، وقميص “أبيض “، بربطة عنق تشبه لون بدلته، غزا الشيب رأسه ولحيته، يجيد تسريحة شعره، فيما يبقي على شعر لحيته القليل، متركزاً تحت ذقنه، تحت إبطه الأيسر يحمل “ملف” أصفر اللون به عشرات الأوراق غير المرتبة، مختلفة الأحجام، والاهتمامات.
بهذا الوصف تحتفظ الذاكرة بهيئة محمد قحطان، القيادي في حزب الإصلاح، وعضو هيئته العليا، ناطق باسم ستة أحزاب (المشترك) بين الفترة (2003-2011م)، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في تعز، وواصل الدراسة في كلية الشريعة والقانون -جامعة صنعاء. ولد في منطقة (الأفيوش) بين (إب وتعز)، سياسي، وصحافي، ومعلم، وقيادي.
هو قريب من كل “التيارات” الفكرية في البلاد، عُرف بتصديه لزعماء القبائل التائهين في ملذات مشاريعهم الفردية، والطائفيين الذين يريدون تعميق الشروخ المجتمعية، وأصحاب “المشاريع الشخصية”، مع ذلك يؤمن قحطان -كما يقول من عرفوه- بأن كل الخلافات لا علاقة لها بطائفة أو منطقة لها علاقة فقط بالسياسية، ولم يحمل في قلبه “حقد” لأحد.
هو صحافي في مجمع الصحافيين، وسياسي في حضرة السياسيين، دبلوماسي في لقاءات الدبلوماسيين، يجيد فن الاستماع، والكلام، والعلاقات العامة. في منزله يقضي معظم وقته في “المكتبة”، على طاولته تجد كتب عن “السياسة” و “الاقتصاد” و”الفلسفة” و “المنطق” و “الأدب” و “الدراسات الإسلامية”، وأحدث الدراسات عن “العلاقات الدولية”، يحب قراءة الشعر والاستشهاد به. حتى في زياراته إلى مقرات الأحزاب يحضر معه كتابه، وإلم يحضر يسأل: أين المكتبة؟!
أكثر المخيفين لنظام علي عبدالله صالح، الذي سقط بفعل ثورة شبابية شعبية عام 2011م، براغماتي من طراز رفيع، ومفاوض بارع، يرفض الحكم بـ”التجزئة”، والحروب “الوهمية”، تسيطر كارزماه الشخصية على طاولة الحوار، “يحمل مشروع وطن” ولأنه كذلك تجد كل الوطنيين إلى جواره.
نضاله السياسي
يدعى بـ”المهندس المساعد” للقاء المشترك، كان كثير الجلوس مع “مهندس المشترك” الشهيد جار الله عمر، الذي قتل في المؤتمر العام للتجمع اليمني للإصلاح في 28 ديسمبر/كانون الأول 2002م، وظل اغتياله لغزاً حتى 2007م، عندما اتهم “قحطان” الجهة التي تقف وراء الاغتيال انها كانت تريد اجهاض “اللقاء المشترك”، ولأجل ردع أوهام “صالح”، عمل “قحطان” بجّد من أجل إعادة اللحمة الوطنية بين “الاشتراكي” و “الإصلاح”.
النضال في فكر “محمد قحطان” كما يقول حوار طويل مع مرتادي موقع “المجلس اليمني” في يونيو/ حزيران 2006م، هو “الحرية”، والاستماتة في العمل السلمي من أجل انتزاع الحقوق، ومن ضمن إجاباته على تساؤلات الرواد يقول: “الحر لا يقبل الضيم، ولا يرضى أن تلوى يده فإذا لويت يد الحر يأخذ حقه بالأخرى ونحن سنناضل سلمياً حتى ننتزع حقوقنا وحرياتنا وحتى تغدو إرادة الشعب اليمني حرة يختار من يشاء ويرفض من يشاء، وتتجلى إرادته فيما يريد عبر انتخابات حرة ونزيهة”.
قبل ثورة فبراير/شباط 2011م، أطلق على “محمد قحطان” لقب قائد الثورة التصحيحية، ولعل لذلك كان بسبب دعواته لإسقاط “نظام صالح” منذ وقت مبكر، في ديسمبر/ كانون الأول 2007م، قال: إن البلاد يجب أن تتخلص من براثن حكمهم (يقصد حكم صالح) التي لم يثمر سوى الفقر والجوع والمرض”. وعلى اثره شن حزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) حملة هوجا عليه واتهمه ب”الكلب التي تعوي” و”الخسيس” و”القبيح”، ورداً على ذلك قابلهم قحطان بتأكيد حديثه السابق وقال: “في كل الأحوال ونحن في قمة الخلاف مع هؤلاء الفاسدين المفسدين لن ننزع منهم آدميتهم ولا نقول: إنهم كلاب تعوي ولا أفاعي تفح، ولا نصفهم بالخساسة، ولا بالقبح، بل نؤكد أننا على الصعيد الإنساني والشخصي نكن لكل هؤلاء الذين نختلف معهم عظيم الاحترام والتبجيل والتقدير، بقدر ما نرفض الأخطاء والخطايا في السياسات التي ينتهجونها”.
وفي أشد لحظات الثورة اليمنية عام 2011م، أثار “محمد قحطان” تهديداً أخرج صالح مذهولاً، مرعوباً، حتى أنه نسي إغلاق “أزرار” قميصه، في “اجتماع” مع العسكريين وقيادات نظامه، متحدثاً عن تهديد “قحطان” محاولاً استعطافهم، اتضحت الصورة، وقتها، أنه يتهاوى، فأصبح مذموماً، مدحورا. عرّف الناس نصف الحكاية، أو بمعنى أدق أراد “صالح أن يعرف الشعب نصفها فقط، ويتجنبوا معرفة أن سبب التهديد إعداده لمجزرة مروعة في “ساحة التغيير” في صنعاء، بالمدرعات والجرافات كان يريد أن يمحو كل من فيها، كتلك التي ارتكبها الجنرال “السيسي” في “رابعة” بعدها بعامين. وصلت “الخطة” لقيادات المشترك، فتحرك “قحطان” لتهديد الدكتاتور من ارتكاب الحماقة.
الحوثيون والاختطاف
رفض “قحطان” الحروب الست ضد الحوثيين، واتهم السلطة حينها بالقيام بحروب عبثية، ودعا إلى حلول “سلمية”، ونتيجة لذلك اتهم بالتخوين واللاوطنية، و “العميل”، و عندما “تعتم” الرؤية لدى السلطة نتيجة قصر النظر، وبضغط “المعارضة” يشكل “صالح” لجنة للتفاوض، من “ضمنهم” محمد قحطان، من أجل الوصول إلى حلول تنقذه من “مآزق” وضع نفسه فيه، كان أول تلك اللجان في اغسطس/ آب 2004م، وآخرها في يونيو/ حزيران 2009م. ورغم الحلول إلا إن “صالح”، و “الحوثي” كانوا يخرقون أي حلول.
اجتاح الحوثيون صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014م، ومع الاجتياح المسلح، تنقل محمد قحطان بين الفنادق، التقته مراسلة “نيويورك تايمز” بعدها بأسبوعين، أخبرها أن “الإصلاح” حزب سياسي وليس ميليشا، وأنه على الدولة التحرك لحماية مواطنيها، والمواطنون سيتحركون مع الدولة للدفاع عن أنفسهم. قحطان يعلم جيداً أن “الميليشا” مع الزمن تلتهم “الحزب السياسي” وتنهي وجوده.
شارك محمد قحطان المشاورات ممثلاً عن حزب الإصلاح في الحوارات التي أدارها جمال بنعمر (المبعوث الأممي) بعد اجتياح صنعاء، أعلن “قحطان” التزامه الصمت عدة مرات بسبب ما وصفت “بعنجهية” الحوثيين، تبرّم كثيراً من تلك الحوارات غير المسؤولة، الفاقدة للشرعية السياسية والأخلاقية.
عندما انتقل عبدربه منصور هادي إلى عدن في 21 فبراير/ شباط 2015، حاول محمد قحطان اللحاق به، ألقي القبض عليه على مشارف “مدينة إب”، مكث تحت الإقامة الجبرية في منزله، الذي تحول إلى مزار للسياسيين والحقوقيين، حتى جرى اختطافه إلى جهة مجهولة في 5 ابريل/نيسان تقول عائلته أنها التقته عصر “اختطافه” في منزل رجل الأعمال اليمني حميد الأحمر، الذي يحتله الحوثيون، بعدها اختفى عن الأنظار.
وقال نجله، اليوم الثلاثاء، بعد عامين لـ”يمن مونيتور”: إنهم لا يعرفون إن كان على قيد الحياة أم لا.
جاء ذكر قحطان في القرار الدولي (2216) الصادر بعد أيام من اعتقاله، إلى جانب وزير الدفاع اليمني محمود الصبيحي، والقائد العسكري فيصل رجب، وناصر منصور شقيق الرئيس اليمني، وطالب القرار بالإفراج عنهم جميعاً.
*نشر العام الماضي على “يمن مونيتور” وأعيد نشره اليوم الثلاثاء مع تعديلات