الوضع الصحي في مأرب.. المعاناة الأكثر إيلاماً (تقرير)
بين الظلم القديم والتجاهل الجديد، ما تزال تترنح حياة السكان في محافظة مأرب النفطية شرقي اليمن. يمن مونيتور/ مأرب/ من هشام المحيا
على مدى سنين، عاشت محافظة مأرب النفطية حرماناً لم تعشْه غيرها من مدن البلاد، علاوة على تعرضها للتشويه الممنهج إبان حقبة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
وعلى الرغم من اكتشاف النفط والغاز منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن مأرب لم تحظَ باهتمام يليق بمكانتها التاريخية والحضارية، ولم يشفع لها ثراؤها -الذي لا تعرف منه إلا الاسم- في الحصول على الخدمات الأساسية وعلى رأسها القطاع الصحي.
مؤخراً، وبُعيد اجتياح الحوثيين وحلفائهم للعاصمة صنعاء، تحولت مأرب إلى مركز مهم لتحركات القوات الحكومية والتحالف العربي، لكن العديد من القطاعات الخدمية ما تزال تعاني اهمالاً كبيراً، والقطاع الصحي على وجه أخص، إذ يعاني من غياب شبه كامل للكادر المتخصص وعدم وجود بنية تحتية حقيقية إضافة إلى مشاكل اخرى عديدة.
احصائيات
تشير الإحصائيات الرسمية لمكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة إلى وجود مشكلة عميقة ومتجذرة في الجانب الصحي، حيث تفتقر المحافظة إلى البنية التحتية الحقيقية والكادر الطبي والإداري المتخصص، وكذا التموين الطبي اللازم لعلاج كافة الأمراض.
وتعمقت المشكلة أكثر مع تحول المحافظة إلى عاصمة عسكرية لقوات الجيش الوطني وملتقى للنازحين والمهجرين والباحثين عن فرص العمل، ما أدى إلى تضاعف عدد السكان -البالغ عددهم 344 ألف بحسب إسقاطات السكان للعام 2017 م- بنسبة تصل إلى أكثر من 200 بالمائة، وفقا لبعض التقديرات غير الرسمية، وبالتالي وجد القطاع الصحي بالمحافظة نفسه أمام حمل ثقيل يفوق قدرته المنهكة أصلاً.
عشوائية
تعاني محافظة مأرب من العشوائية في توزيع المرافق الصحية من جهة، وغياب المرافق المتخصصة الحديثة من جهة أخرى، حيث تمتلك المحافظة 133 مرفقاً صحياً تم توزيعها على مديريات المحافظة بشكل عشوائي، منها مستشفيان عامّان، أحدهما خُصص لعلاج جرحى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وهو هيئة مستشفى مأرب العام، والآخر يتبع دائرة التموين العسكري بوزارة الدفاع، ومن ضمن تلك المرافق 18 مستشفى مديرية، 3 منها لا تعمل، و16 مركزا صحياً 7 منها لا تعمل، و90 وحدة صحية، 65 وحدة منها لا تعمل، وبهذا يكون إجمالي المرافق التي لا تعمل 72 مرفقاً.
وفي البحث عن أسباب توقفها نجد أن من بينها عدم اعتماد بعضها ماليا أو عدم تشغيلها نهائيا او نتيجة تعرضها للتدمير الكلي أوالجزئي أو نهب مليشيا الحوثي لها أو تحويلها إلى متارس للمسلحين وبالتالي تعرضها للقصف من طيران التحالف باعتبارها تأوي مسلحين.
وبلغ عدد المرافق التي لم تعتمد مالياً 57 مرفقا، أما التي تعرضت للتدمير كليا أو جزئيا فبلغت 22 مرفقا منها خمسة مشافي مديرية و4 مراكز صحية.
وحسب إفادات أطباء وفنيين تحدثوا لمراسل (يمن مونيتور)، فإن أغلب المرافق الصحية التي هي تحت الخدمة حاليا تغيب عنها الأجهزة الطبية الحديثة وغرف الإنعاش وغرف العمليات والأسرة، علماً بأن عدد الأسرة في كامل المرافق 706 سريراً.
غياب الكادر
تعتبر مشكلة غياب الكادر الطبي المتخصص أبرز مشاكل القطاع الصحي في مأرب، حيث تذكر الأرقام الصادرة عن مكتب الصحة بالمحافظة أن عدد الكادر وصل إلى 1336 موظفا، 37 بالمائة منهم فقط يمتلك شهادة صحية، وأغلب هؤلاء شهاداتهم ما دون الجامعية، ووفقاً لإحصائيات وزارة الصحة فإن عدد حملة البكالوريوس في صحة مأرب 164، الاطباء منهم 49، وبهذا تكون نسبتهم من إجمالي القوة العاملة في القطاع الصحي بالمحافظة 12 بالمائة فقط.
وكشف مدير عام الصحة بمأرب الدكتور عبدالعزيز الشدادي عن عمق المأساة الصحية التي تعيشها المحافظة منذ عقود طويلة قائلاً: “يمكن تشخيص المشاكل الصحية بالمحافظة في أربع نقاط وهي البنية التحتية والكادر البشري والتجهيزات الطبية والتموين”.
وأضاف “الشدادي” في حديث خاص لـ(يمن مونيتور) أن المحافظة تعاني من مشاكل متداخلة فيما يخص البنية التحتية والتجهيزات الخاصة بها حيث تسود العشوائية على توزيع المرافق الصحية بمديريات المحافظة حيث تتركز في بعض المديريات وتحرم منها مديريات أخرى، أيضا هناك مشكلة أخرى وهي أن عددا كبيرا من تلك المرافق تحتاج إلى إعادة بناء بعد تعرضها للتدمير الكلي وعددها 3 مستشفيات وخمس وحدات صحية، أو إعادة تأهيل وترميم للمرافق التي تعرضت للتدمير الجزئي وعددها مستشفيان و8 وحدات صحية، و4 مراكز طبية، إضافة إلى إعادة تجهيز المرافق التي تعرضت للنهب من قبل المليشيا الانقلابية”.
وفيما يخص الكادر الطبي يشير الشدادي إلى أنه “يعاني من غياب الإخصائيين، ويوجد أخصائي واحد، طب أطفال و9 أطباء عموم، علما أن عدد الأطباء المحسوبين على مأرب 49 طبيبا لا يمارسون مهامهم”.
ويتابع، إجمالا لدينا 1336 عامل في القطاع الصحي، 37 بالمائة منهم يمتلك شهادة صحية وأغلبهم ما دون الجامعي، ونسبة كبيرة من الكادر البشري لا يمارسون مهامهم الملقاة على عاتقهم وتكتمل المشكلة بشحة التموين الطبي”.
بدائل سيئة
ونتيجة لما وصل إليه حال القطاع الصحي الحكومي بالمحافظة، يلجأ المواطنون في كثير من الأحيان إلى القطاع الخاص غير أنه هو الآخر لا يقدم خدمات طبية جيدة.
وحسب توصيف أحد المترددين على المرافق الصحية الحكومية والخاصة، فإن المرافق الصحية الخاصة أسوأ حالا من الحكومية، فهي لا تجيد إلا جني الأموال دون فائدة يلمسها المريض، لذا يضطر المئات إلى السفر للخارج بحثاً عن العلاج.
يقول “عبدالكريم محمد” (مواطن) إنه “ليس راضٍ بما تقدمه مستشفيات المدينة نظرا لعدم وجود الكوادر المتخصصة وارتفاع أسعار الأدوية وعدم وجود أجهزة حديثة للكشف والتشخيص”. ويؤكد ذلك أحد الأطباء في عيادة خاصة بقوله “القطاع الخاص لا يمتلك الإمكانيات لتقديم خدمة متميزة، وبالتالي فهو ضعيف؛ لكن لو أنه يمتلك امكانيات القطاع العام لكان أفضل حالاً”.
ووصل عدد المرافق الصحية الخاصة إلى 39 مرفقاً، منها مستشفى في مديرية حريب و6 مستوصفات و9 مراكز طبية و4 عيادات أطباء عموم، وتوزعت باقي الأرقام بين عيادات تخصصية وعيادات أسنان ومختبرات وعيادات إسعاف أولية.
معالجات
يقول مدير مكتب الصحة الشدادي إن إدارته تمتلك خططا قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى تهدف إلى معالجة المشاكل الصحية بمأرب، داعياً الجهات المختصة إلى “التعاون معهم لتنفيذ تلك الخطط”.
وفي السياق ذاته، يشير مدير عام الجودة بهيئة مستشفى مأرب العام الدكتور “أحمد السعيدي” أن القطاع الصحي بمحافظة مأرب يحتاج إلى الكثير من العمل الجاد لرفع مستوى جودة الخدمات التي يقدمها”
ولفت في حديث لـ(يمن مونيتور) أن المرافق الصحية بالمحافظة موجودة إلى حد ما، لكنها تحتاج إلى كادر متخصص وأجهزة طبية حديثة، آملاً أن يكون العام 2017م عاما للجودة، ما يعني البدء بحلحلة المشاكل الصحية المتداخلة والعميقة ويجري الترتيب حاليا لذلك.