بائع الغاز المنزلي، يريد أن أنشر ما يشبه الإعلان غير الممول في فيس بوك. بادلته الحديث على ناصية السوق الضيق، استوضحت فكرته وأنا أتكلف الابتسامة تحسبًا لأزمة غاز قادمة، ولكي يمنحني امتيازات بيع أخفض عن الآخرين. بائع الغاز المنزلي، يريد أن أنشر ما يشبه الإعلان غير الممول في فيس بوك. بادلته الحديث على ناصية السوق الضيق، استوضحت فكرته وأنا أتكلف الابتسامة تحسبًا لأزمة غاز قادمة، ولكي يمنحني امتيازات بيع أخفض عن الآخرين.
المسلحون يجوبون السوق، وأنا أضحك في وجه صاحب الغاز الذي يشرح شكل صورة الإعلان بتلهف بالغ، وجدية لا تشكك فيها. صورته التي يعزم على استخدامها: رأس بيضوي، وعلى وجهه الضامر خدان وارمان بتخزينة قات عالمية، وإلى جواره اسطوانة غاز. وفي قلب الصورة اسمه ورقم هاتفه.
خدمة ند لند. ريفي لريفي كما طلب “ومن ذبح من الديمة ما خسر” كما نقول.
ليس إعلانًا ممولًا، بل صورة أنشرها على صفحتي.
هو لا يعرف الفس بوك، ويظن بأن كل من يمتلك صفحة في العالم الافتراضي، أصبح إنسانا عالميًا، مع أنه يؤمن بأن سيارته القديمة لن تصل آنس في حال اتصل به زبون من هناك.
أفكر بالإعلان بجدية مماثلة. عقلي الباطن يستحضر المخرج السينمائي التشيلي “ميغيل ليتين” أثناء انقلاب بيونتشه الدموي في تشيلي مطلع السبعينيات. قرأت المذكرات التي كتبها ماركيز على لسان ميغل، أربع طبعات لأربعة مترجمين. في ذلك اليوم كان ليتين في مبنى الأفلام، وشوارع سانتياغو مليئة بالجثث. كان جنود بينوتشه يوجهون بنادقهم ضد من تبقى في المبنى. كان محكوم عليهم بالموت المؤكد. أحد الجنود المعجبين بـليتين عرفه وسأله حول “كيفية إظهار الدم يتدفق من أجساد الموتى في الأفلام”. كانت ثمن هذه الخدمة إنقاذ حياة ليتين.
على المرء أن يكون حصيفًا مع من لا يعرف ربما ينقذ حياته، كيف بمن يعرف، ربما يمنحه اسطوانة غاز مجانًا.
عاش ميغيل في المنفى، وبعد اثنتي عشرة سنة عاد إلى وطنه بشكل سري لتصوير فيلم وثائقي، وعمل مع ست مجموعات تصوير سرية. لقد غير من شكله ودخل بجواز سفر مزور بالتنسيق مع مقاومة الداخل.
تحمست للعمل السري، ولأساليب المقاومة السرية التي اتخذها التشيليون في سانتياغو، بما في ذلك الكتابة على الجدران، وتذكرت العبارة الوحيدة التي كتبت على حوش في صنعاء لتخاطب الانقلابيين: لم تمت أمريكا ولا اسرائيل.. متنا من الجوع.
لقد كان الوضع مشابهًا للواقع الذي نعيشه: جثث بلا رقاب.. خوف خلف الوجوه الصامتة.. تمتمات خفيضة للتبرم من الانقلابين.
أنا لست ليتين، رغم إني درست إذاعة وتلفزيون ولا أستطيع التفرقة بين الكاميرات.
عبدربه منصور ليس سلفادور ألييندي.. رغم شرعيته.
السيد المخلوع علي صالح بدر الدين، ليس بيونتشه، قد يفوقه في الوصف.
لكن الكثير قد يكونون الرقيب الذي أنقذ ليتين. وليس بالضرورة أن يكون الانقاذ متعلق بالحياة. بل باسطوانة غاز كانت في سيارة شاص بصندوق أكله الصدأ. وهذا هو وصف البائع في منتطقتنا: سيارة بموديل قديم تصلح تحفة أثرية في المتحف الحربي، من الظلم وضعها إلى جوار سيارة الإمام في زاوية المتحف. السيارة تمشي بعجلات صلعتها أيام البلاد القاسية، فهو يتنقل بين القرى، من بعد العصر وحتى ساعة متأخرة من الليل.
وقد قال بأنه يريد أن أوضح للعالم بأنه “يصطرع بعد القات”، فبالصباح يكون منتشيًا ويحدثك عن غرامياته المضحكة والفاضحة، أما بعد العصر، فتراه بعينين بارزتين، وملامح مشحونة بهموم المستقبل.
ولسيارته صوت يشبه حرتكات مجنزرة قديمة، شقت الطريق إلى القصر الجمهوري، وطرقا أخرى لا تعرفها قرانا.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.