كتابات خاصة

من أجل وجبة واحدة

د. علي الزبيدي

في مشهد يجعل الولدان شيبا ويظهر فداحة ما آل إليه الوضع الإنساني في اليمن في ظل حكم الأمساخ البشرية وانقلابهم، تقف حرائر اليمن في طابور لا أول ولا آخر له. في مشهد يجعل الولدان شيبا ويظهر فداحة ما آل إليه الوضع الإنساني في اليمن في ظل حكم الأمساخ البشرية وانقلابهم، تقف حرائر اليمن في طابور لا أول ولا آخر له.
طابور أسود كقتامة الوضع، طويل كطول المأساة، مرهق كإرهاق الجوع وفتكه، ليس من أجل كيس من القمح أو السكر أو الأرز، أو مبلغ من المال يعالج ما أمضه الجوع وجرحته الحاجة في اسر كاملة، كانت هذه الاسر في سالف عهدها تنفق وتجود على غيرها ولا تتخيل لحظة أن يصل بها الحال إلى ما وصلت إليه.. حرائر لم تراهن الشمس إلا لماماً.
 الآن تحرقهن لساعات طويلة وهن في طابور لا يميز بين غني وفقير وبين عزيز وسائل؛ إنه مشهد جنائزي لكل القيم التي ألفتها الآذان لكنها توعرت عن العيون.
إنه طابور من بين آلاف الطوابير للعهد الرشيد القائم بأمر قم والحاكم باسم الله عبد الملك الحوثي وهو يوزع في الخطابات تهمه وشتمه لمن سلب منهم الحكم باسم الحرية والجرعة وحقوق الرعية وفي المقابل وعلى الواقع يوزع ألغامه المدهشة في تخفيها وتلونها بدلاً عن لقمة الحياة ويستقبل المخدرات ليوزعها على مخدوعيه من الأطفال بدلاً عن الأدوية.
طابور يشبه طوابير حافلات الاغاثة وحاويتها التي تأتي لتكسر حدة الجوع وتنقذ نفوساً في الرمق الأخير لكن السيد الصفي قنديل الشقاء يبيعها في السوق السوداء..
طوابير للموت تعرف طريقها وطوابير من الجنائز مرفق بها جوازات العبور إلى الجنة ومفاتيح الفردوس، وفي الضفة الأخرى طوابير السباق المحموم على ممتلكات البيوت المنهوبة والمنشآت العامة وأراضي الدولة، وعلى مرفأ الغباء من حي المسطحين طوابير الصارخين وأبواق الذل تنفخ في السيد سر بقائه وتمنحه وهجه ليستمر في حصد الجثث وتلميع بزاتها على المقابر الجماعية.
من أجل وجبة واحدة تقف الحرائر ساعات، فلا يقمن بها صلبهن ولا صلب أحد أطفالهن ويقف هؤلاء أمام كاميرات العالم ليقدموا أنفسهم على أنهم الخيار الوحيد للدولة العادلة في ظل حكم البطنين وهم يعجزون عن اطعام مسكين في دولة الثلاثين مليون؛ بارعون في التضليل وتزييف الحقائق ولا يتجاوزون هذه البراعه إلى غيرها.
إنه اصرار واستمرار في حكم وطن من الأشباح وإن أدى الأمر إلى أن يحكموا أنفسهم فحسب.
عندما تنعدم الحرية ويحكم الجوع وتسيطر الذله والمهانه فلا تسأل عن مقومات حياة ولا تبحث في دهاليز البؤس عن الانسانية. ابحث فقط عن مقاييس سينتمتريه لجثث تتحرك بعامل الدفع والتدافع في الهزيع الأخير..
ثمة آلة قمع وتجويع وتشريد تنتج دون توقف في مضمار من السباق قل نظيره آلة تحكم تحت ظل المقصلة تنهب الأرواح والحريات وتلقي في تنورها المؤصد فلذات الأكباد لتحسن الطبخة وينضج الشواء.
طابور هو صورة رمزية لأقصى ما يمكن أن تجود به سياسة الحوثي لكرامة المرأه اليمنيه التي لا يجد غضاضة في هدرها ابتداء من لقمة العيش.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى