أزمة الغذاء باليمن تتفاقم مع انحسار التجارة عبر طريق قديم
تنقل مراكب شراعية خشبية صغيرة الغذاء والسلع من الإمارات العربية المتحدة إلى اليمن الذي تمزقه الحرب. لكن الإمدادات تتقلص عبر هذا الطريق المار ببحر العرب والذي يمتد تاريخه لقرون مضت ويظل واحدا من شرايين الحياة الأخيرة للبلد الذي صار على شفا المجاعة. يمن مونيتور/ الشارقة/ رويترز:
تنقل مراكب شراعية خشبية صغيرة الغذاء والسلع من الإمارات العربية المتحدة إلى اليمن الذي تمزقه الحرب. لكن الإمدادات تتقلص عبر هذا الطريق المار ببحر العرب والذي يمتد تاريخه لقرون مضت ويظل واحدا من شرايين الحياة الأخيرة للبلد الذي صار على شفا المجاعة.
وتسببت الحرب الأهلية الدائرة منذ عامين في تقلص كبير في تدفقات الغذاء إلى موانئ البضائع الأساسية في اليمن الحديدة والصليف على البحر الأحمر حيث تقع معظم صوامع الغلال.
تنقل المراكب الخشبية الصغيرة التي تبحر من أسواق في الإمارات إمدادات قليلة لكنها حيوية إلى الموانئ الأصغر على الساحل الجنوبي والتي قلما تستخدمها السفن الأكبر حجما. ولا تخضع تلك المراكب غالبا لعمليات التفتيش العسكرية، التي تسبب اختناقا مروريا، حيث تنزل مراسيها في خلجان صغيرة معزولة على مقربة.
وتتم الصفقات في سوق الراس المترامي الأطراف الذي يضم مجموعة من الأزقة المغبرة بالقرب من خور دبي حيث يجري عرض بعض الأغذية والتوابل من بينها أجولة ملونة من الأرز الهندي والباكستاني.
وبحسب تجار فإن تلك القوارب التي تبحر في الطريق العتيق وكانت تحمل في أيام خلت بضائع مثل اللؤلؤ والبخور والمر تنقل ما بين 14 و18 ألف طن من السلع الغذائية شهريا إلى اليمن. ويمثل ذلك انخفاضا بنحو 30 إلى 40 بالمئة خلال العام الماضي بسبب مشكلات تتعلق بالسداد إلى جانب ظروف الإبحار غير المواتية.
وعند ميناء خالد القريب في الشارقة قال التاجر محمد حسان “العملة اليمنية مدمرة.. في بعض الأحيان لا نحصل على ما يكفي من المال. يمكننا أن نذهب مرة واحدة فقط شهريا لأن البحر هائج للغاية… نضطر في بعض الأحيان إلى الانتظار 40 يوما.”
وتمثل كميات الأغذية التي يجري نقلها عبر هذا الطريق قدرا ضئيلا من الإمدادات التي تتجه إلى اليمن الذي يعتمد على الواردات لسد 90 بالمئة من احتياجاته الغذائية. لكن أهمية تلك الكميات تزايدت مع اندلاع القتال وانهيار الاقتصاد حيث أصبح اليمن بحاجة لكل مساعدة يمكن أن يحصل عليها.
* أضرار بالموانئ
قُتل الآلاف في الحرب الأهلية الدائرة بين جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران وقوات موالية للرئيس عبد ربه منصور هادي مدعومة من تحالف تقوده السعودية ويضم الإمارات.
وتسبب الصراع في خنق الواردات. ويعيش 60 بالمئة من اليمنيين، أو نحو 17 مليون نسمة من السكان، في “أزمة” أو أوضاع غذائية “طارئة” بحسب الأمم المتحدة.
وبينما يتعين على السفن الساعية لدخول المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون الخضوع لعمليات تفتيش بحثا عن أسلحة مهربة فإن هناك قيودا أقل على الجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة.
وانخفضت واردات الغذاء إلى الحديدة بشكل متواصل حيث لا يصل إلى بضع سفن أسبوعيا مقارنة مع عشرات السفن قبل الحرب. كما أن المزيد من خطوط الشحن ينسحب بسبب تنامي المخاطر بحسب مصادر ملاحية وأخرى في هيئات الإغاثة.
وقال مسؤولو مساعدات إن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية لميناء الصليف المجاور في الأسابيع الأخيرة تسببت أيضا في تقلص كميات الغذاء التي يجري تسليمها.
وقال روبرت مارديني المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر في الشرق الأدنى والشرق الأوسط في جنيف هذا الأسبوع “البلاد تعيش على احتياطياتها… هناك نقص في السيولة والرواتب لا تُدفع، وهو ما يعني أن قوة الإنفاق انهارت وأن أسعار الغذاء ترتفع وقتما يكون متوافرا.”
* قطاع طريق
يتجنب ربابنة المراكب الذين يتخذون من الإمارات مقرا لهم هذه التعقيدات بالابتعاد عن موانئ البحر الأحمر الكبيرة ويبحرون بدلا من ذلك حاملين بضائعهم باتجاه الجنوب وغالبا ما ترسو قواربهم في أماكن غير رسمية.
وتستغرق الرحلة في المتوسط ما بين خمسة وثمانية أيام وتستطيع المراكب حمل ما يصل إلى ألفي طن من البضائع وهي حمولة صغيرة مقارنة مع سفن البضائع التي يمكن أن توفر متنفسا أكبر لواحد من أفقر بلدان العالم وأقلها استقرارا.
ويشحن التاجر علي مهداني بضائع من دبي إلى موانئ عدن والمكلا والمخا تترواح قيمتها بين أربعة وستة ملايين درهم إماراتي (1.1-1.6 مليون دولار) شهريا ويصل حجم الحمولة إلى نحو ألفي طن معظمها من الأرز والتوابل أو زيت الطهي. ولكي يتجنب السداد بالعملة اليمنية المتداعية فإنه يتلقى مدفوعاته بالريال السعودي.
ولا توجد مشاكل تذكر عند الوصول وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع عمليات التفتيش والفحص التي تخضع لها أي سفينة تسعى للدخول إلى الشمال حيث يبحث التحالف الذي تقوده السعودية عن أي أسلحة قد تكون متجهة إلى الحوثيين.
يقول مهداني الذي كان يرتدي جلبابا أبيض “قد يتعين عليك أن تدفع لقطاع طرق من حين لآخر، لكن فيما دون ذلك فإن كل شيء على ما يرام.”
ويشحن التاجر أمين باجرش الحليب المجفف ومعجون البندورة والسكر والأرز من الراس إلى اليمن حيث يصل حجم مبيعاته إلى نحو مليون درهم إماراتي شهريا.
ويعتمد هو وآخرون على الحوالة وهو نظام تجاري غير رسمي يجري من خلال مكاتب الصرافة ويعتمد على الثقة والعلاقات الشخصية.
وتصل معظم بضائعه إلى المكلا وعدن والمناطق المحيطة. لكنه، شأنه شأن آخرين، تضرر كثيرا من أزمة العملة اليمنية ومشاكل المدفوعات التي سببتها الحرب.
ولدى تاجر إيراني الشكاوى ذاتها.
وقال التاجر الذي طلب عدم نشر اسمه “كنت أنقل نحو ألفي طن من الغذاء شهريا… في الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية.. طلب مني أشخاص بضائع لكنني متردد في التعامل معهم.”
(الدولار = 3.6724 درهم إماراتي)