أمن البحر الأحمر.. متغيرات دولية وإقليمية تسمح بتحرير ميناء الحديدة من الحوثيين
تدفع المعارك في الساحل الغربي لليمن نحو اتجاه واحد يتمثل بتحرير ميناء الحديدة الاستراتيجي من المسلحين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس. يمن مونيتور/ تقدير موقف/ من عدنان هاشم
تدفع المعارك على طول الساحل الغربي لليمن نحو اتجاه واحد يتمثل بتحرير ميناء الحديدة الاستراتيجي من المسلحين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح، بعد تزايد المخاوف الدولية من المخاطر المترتبة على أمن البحر الأحمر في ظل استمرار سيطرة “تحالف الحرب الداخلي” على الميناء الاستراتيجي. ويبدو أن الحكومة المعترف بها دولياً تحاول استغلال المتغيرات الدولية والإقليمية باتجاه تعزيز سيطرتها واستعادة سلطتها.
وتأتي هذه المتغيرات كحصاد لأفعال الحوثيين المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي بتهديد الملاحة الدولية ومخاوف من استمرار هذا التهديد باستهداف السفن التي تعبر مضيق باب المندب، المعبر الحيوي الهام لـ21 ألف قطعة بحرية سنوياً ويتحكم بـ12 بالمائة من التبادل التجاري للعالم، باستخدام أسلحة متطورة ذات أفكار مُرعبة للمجتمع الدولي.
تغير في الموقف الأمريكي
تنظر الإدارة الأمريكية الجديدة إلى اليمن باعتبارها تهديداً “إرهابياً” من تنظيم القاعدة، وتهديداً إيرانياً عبر جماعة الحوثي، ومكاناً استراتيجياً لإثبات مواجهة الإرهاب وإيران، وإعادة العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج العربي بعد اهتزازها في عهد الإدارة السابقة. وعُززت هذه النظرة -التي قد تتحول إلى استراتيجية- استهداف الحوثيين لفرقاطة “سعودية” في يناير/كانون الثاني الماضي عبر قوارب متفجرة بدون قائد (يتم التحكم بها عن بعد) -تعتقد البنتاغون أنها ان هذه التكنلوجيا إيرانية وكان الحوثيون يعتقدون أنها أمريكية- إضافة إلى استهداف مدمرة أمريكية عدة مرات في أكتوبر/تشرين الأول إلى جانب سفينة شحن تعمل لصالح البحرية الإماراتية. وفي معظم تلك العمليات تم استخدام ميناء الحديدة كنقطة انطلاق للمسلحين الحوثيين لتنفيذ العملية. وأعقب ذلك سيل من الهجوم الأمريكي على الحوثيين ووصفت الجماعة بكونها “إرهابية تعمل كأداة بيد الإيرانيين”، كما باعتبارهم تهديداً على الملاحة الدولية في البحر الأحمر عبر مؤسسات دولية معنية بمراقبة التهديدات الملاحية؛ ودفعت الولايات المتحدة الأمريكية بالمدمرة “يو اس اس كول” إلى البحر الأحمر مع صلاحيات كاملة باستهداف مطلقي الصواريخ على السفن الأمريكية.
بعد أن أوقف باراك أوباما التعاون مع التحالف العربي في منتصف 2016م من الناحية المخابراتية والتسليحية يظهر أن التعاون عاد مجدداً بوتيرة أعلى. وفي تصريح لـ”واشنطن تايمز” قال اللواء أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي إن بلاده حصلت على التزام من الإدارة الأمريكية الجديدة بتعزيز التعاون العسكري لمواجهة حلفاء إيران في اليمن، في إشارة إلى جماعة الحوثي المسلحة. جاءت تصريحات عسيري خلال الأسبوع الذي شهد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد في واشنطن،-كأول زعيم من شبه الجزيرة العربية برفقة وفد عسكري ومخابراتي- والتي وضعت الملف اليمني على رأس أجندة المباحثات. وبعد أسبوعين تقريبًا من إعلان الإدارة الأمريكية متمثلة في وزارة الخارجية عزمها استئناف عملية بيع الأسلحة للرياض، بعد توقفها في عهد أوباما.
على خارطة العمليات العسكرية للتحالف يظهر واضحاً دِقة الضربات الأخيرة وزيادة عددها خلال النصف الثاني من شهر مارس/ آذار الجاري على محافظة الحديدة، والتي تعتمد على معلومات مخابراتية أمريكية، فقد استهدفت ضربة جوية معسكر تدريب للحوثيين شمالي المحافظة السبت الماضي (18 مارس/ آذار) اسفرت عن مقتل 40 شاباً وجرح العشرات. ويضم المعسكر شبانا جندهم الحوثيون الذي فرضوا منذ اسبوعين على سكان كل حي من الحديدة ارسال 30 شابا الى المعسكر الواقع في جبل راس على بعد 70 كلم شرق المدينة. كما أن طائرات التحالف نَشطت خلال نفس الفترة في استهداف القادة الحوثيين والتعزيزات العسكرية، وعادة بالمنطقة الجغرافية الواقعة غربي اليمن بين الحديدة وتعز.
ارتفاع لهجة التحالف العربي والحكومة اليمنية
علاوة على أن العمليات العسكرية للتحالف والحكومة تسير بشكل أكثر تأثيراً، فإن حدة الخطاب ارتفع فيما يتعلق بالحديدة، وفي تصريح متلفز لـ”عسيري” مساء الثلاثاء، قال: “لايمكن السماح ببقاء سيطرة الميلشيات الحوثية على ميناء الحديدة بعد أن تحول إلى قاعدة عسكرية”. كان التحالف العربي قد طلب من الأمم المتحدة أن تتولى الإشراف على ميناء الحديدة، لكن المنظمة الدولية رفضت ذلك؛ وهو ما سبب سخطاً للحكومة اليمنية التي اعتبرت أن المنظمة الدولية تتخلى عن مهماتها الأساسية.
رئيس هيئة الأركان اليمني اللواء ركن محمد المقدشي، قال في تصريحات صحافية الأسبوع الجاري إنه ناقش مع الرئيس هادي الخطة العسكرية لتحرير محافظة الحديدة وأنها ستبدأ في الأيام المقبلة.
الأوضاع الإنسانية
يشير كثير من المعارضين لتحرير الحديدة إلى أن الأوضاع الإنسانية ستزداد تأزماً، في حال اندلعت معارك في الميناء الذي يمثل منفذاً لـ80 بالمائة من الواردات للمحافظات الشمالية -معظمها خاضعة لسيطرة الحوثيين؛ بما في ذلك الأمم المتحدة و دولة روسيا. وقال ممثل للسفارة الروسية في صنعاء عبدالرحمن هجوان، لـ”يمن مونيتور” إن محاولة دخول قوات التحالف العربي إلى ميناء الحديدة ستحول المنطقة إلى بحر من الدماء. لكن لا يعتقد أن يكون هناك دور روسي لوقف تحركات التحالف العربي والحكومة باتجاه تحرير الميناء إلا من تحرك ضاغط في مجلس الأمن الدولي، الذي لا يبدو أنه سيحمل تأثيراً أكبر.
سفير اليمن في واشنطن أحمد عوض بن مبارك كتب مقالاً في نيوزويك الاثنين الماضي، يسوق فيه مبررات تحرير ميناء الحديدة من الحوثيين، والتي شملت زيادة الأوضاع الإنسانية تأزماً في ظل سيطرة الحوثيين بمدينة الحديدة بالرغم أن معظم المساعدات تمر عبرها، وتكدس المساعدات الغذائية لليمنيين في الميناء دون توزيعها. إضافةً إلى استخدام الحوثيين هذا المنفذ للحصول على جبايات من أجل المجهود الحربي للجماعة. وخلّص مقال بن مبارك إن حكومته ستعمل من أجل الحل السلمي، لكن “حتى ذلك الحين، ونحن لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي في الوقت الذي تتواصل معاناة شعبنا”.
علاقة تحرير الحديدة بالحل السلمي
ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تنظر وفق هذا المنظور أن تحرير الحديدة سيسهم في الوصول إلى حل للأزمة اليمنية المتفاقمة ما يجعلها تواجه تنظيمي القاعدة والدولة بسهولة أكبر. ففي جلسة لمجلس النواب الأمريكي، في (9مارس/آذار) الجاري، تحدث ثلاثة من كبار الخبراء الأمريكيين في اليمن، وكان ضمن المتحدثين جيرالد فايرستاين، السفير الأمريكي السابق في اليمن ومدير مركز شؤون الخليج في معهد الشرق الأوسط.
وطالب فايرستاين-حسب كلمته في المجلس- دعم القوات الحكومية في السيطرة على ميناء الحديدة الاستراتيجي، قائلاً إن من شأن ذلك إرغام الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي المسلحة على القبول بالحل السياسي وتنفيذ قرار مجلس الأمن (2216) الذي لايزال الحوثيون يضربون به عرض الحائط.
وقال السفير السابق في تصريحات تلفزيونية عقب الجلسة وتابعه “يمن مونيتور”: “اعتقد إنه وفي 2017م هناك هدفين لليمنيين الأول: الوصول إلى حل سياسي وإن كان محدوداً لتطبيق القرار (2216)، والثاني: حل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد. واعتقد إن سيطرة الحكومة على ميناء الحديدة سيشكل ضغطاً على الحوثيين والرئيس السابق للجلوس على مائدة المفاوضات”.
وفي رده على تساؤل يشير إلى إمكانية الدعم الأمريكي لتحرير الحديدة قال فايرستاين: “إن الإدارة الأمريكية هو أن تعرف استطاعة التحالف العربي والحكومة اليمنية على تحرير ميناء الحديدة، وإن كان حقيقة وواقع فبإمكاننا تحقيق هذه النتيجة، وأعتقد أن هذا الموضوع هو قيد الدراسة الأمريكية”.
وكانت زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن هي تأكيد بقدرة التحالف العربي والحكومة اليمنية على تحرير الميناء الاستراتيجي من الحوثيين، ووفقاً لذلك تتحرك اليمن والسعودية من أجل تفعيل الاتفاقات المعنية بأمن البحر الأحمر والتي تشمل الدول المطلة عليه وبالذات دول الاقتصاد البحري (مصر واليمن والسودان والسعودية)، ويبدو أن توجه رئيس الحكومة اليمنية إلى القاهرة، اليوم الخميس، سيبحث جانباً من تلك العمليات، كما أن السودان كانت قد أبدت استعدادها.