لا شيء أكثر وضوحاً من هذا الذي نراه اليوم في جبهات القتال، مع التقدم الذي يحرزه الجيش الوطني في واحدة من أهم هذه الجبهات وأعني بها جبهة نهم، حيث تدور منازلة مصيرية مع الانقلابيين.
لا شيء أكثر وضوحاً من هذا الذي نراه اليوم
في جبهات القتال، مع التقدم الذي يحرزه الجيش الوطني في واحدة من أهم هذه الجبهات وأعني
بها جبهة نهم، حيث تدور منازلة مصيرية مع الانقلابيين.
لقد بلغ الجيش الوطني مديرية أرحب، حيث
تتركز أهم وأكبر التحصينات العسكرية عند الطرف الشمالي الشرقي لمدينة صنعاء، ممثلة
في معسكر الصمع وبيت دهرة.
تداعيات هذا الانتصار بدأت تتجلى في انعدام
التوازن السياسي الذي أظهره الانقلابيون، حيث اندفعوا إلى الكشف عن الاحتياطي الاستراتيجي
الأخير الذي أخفوه طيلة الفترة الماضية، وهو الذهاب نحو الانكفاء على “محمية زيدية”
يمارسون فيها نفوذهم في الشمال الغربي من اليمن، مع إصرار منقطع النظير لإبقاء السيطرة
على تعز والحديدة.
خيار الانفصال طرحه المخلوع صالح عندما
كان يخوض مواجهة مصيرية مع شريكه في الوحدة، الحزب الاشتراكي اليمني، صيف العام
1994، أي بعد أقل من 4 سنوات فقط على تحقيق الوحدة.
أتذكر حينها أن صالح اتصل بالشيخ سنان أبو لحوم مهدداً
بأنه سيخوص المعركة بسقف أعلى هو هزيمة الحزب الاشتراكي والسيطرة على الجنوب، وبسقف
أدنى هو عودة البراميل الشطرية إذا فشلت الحرب في تحقيق أهدافها، والتفرغ لمحاسبة القوى
الشمالية التي تتعاطف مع الحزب آنذاك أو بالأصح التي كانت تميل حينها إلى وجهة نظر
الحزب فيما يتعلق بهندسة المشهد السياسي على نحو يبقي على الشراكة الوطنية بعيداً عن
دعاوى الأغلبية التي كان حزب صالح الهلامي، المؤتمر الشعبي العام ، يتمتع بها بتأثير
المال السياسي وعدم حيادية مؤسسات الدولة وبفضل الدعم القوي الذي كان يدقمه له التجمع
اليمني للإصلاح.
المعلومات المتعلقة بهذا الاتصال وردت في
سياق حديث للشيخ سنان في أحد اجتماعات اللجنة التحضيرية لاتحاد القوى الوطنية، التي
كنتُ سكرتيرها وكاتب محاضرها. وفيما يخص هذا الاتحاد فقد كان تبنيه في ذلك الوقت يهدف
إلى حشد القوى الشمالية في تكتل سياسي يحاول أن يؤمن تحالفاً مع الحزب الاشتراكي لمواجهة
استحقاقات مع بعد التوتر الحاد في العلاقات بين شريكي الحرب والذي وصل حد المواجهات
المسلحة والتصفيات.
لم يعد صالح قادراً اليوم على إحياء مشروع
الانفصال كمشروع سياسي يبقي له الحد الأدنى من النفوذ على جزء من جغرافيا البلاد، بعد
أن فقد الكثير جداً من عوامل القوة التي كان يتمتع بها في السابق.
لكن مشروع الانفصال يعتبر أكثر إلحاحاً
لدى جماعة الحوثي الطائفية ذات النزعة الشيعية المتطرفة، والتي تمثل للأسف القوة الصاعدة
بفضل ما أتاحه لها المخلوع صالح حينما مهد لها الطريق وسهل لها سبل الوصول إلى السلطة
التي كانت لا تزال حلماً بعيد المنال.
من هنا ومن هناك بدأت المبادرات تتناسل
من غرفة العمليات المشتركة في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية، بعضها يأتي من مقربين
للمخلوع صالح وبعضها يأتي عبر أناس يظهرون كما لو كانوا جنوبيين استقلاليين عتيدين،
ولكن الأمر من الوضوح بحيث لم يعد ينطلي على ذي لُبْ.
الحلف الذي تشكل إبان ثورة 11 فبراير
2011، بهدف سرقة الثورة وتحويلها إلى مجرد نسخة من “الثورة الإسلامية”، لم
يفقد الأمل بعد في إمكانية تحقيق مهمته هذه، حتى وإن كانت على رقعة جغرافية أقل مما
كانت عليه في السابق.
والثابت أن المخلوع صالح سيكون كمن ينتحر
إذا اعتقد أن مشروع الانفصال يمكن أن يعيد إليه السلطة المفقودة، إذ لم تعد لديه ضمانات
بإمكانية بقائه في صنعاء في حال اختلطت الأوراق على هذا النحو أمام حلف تراه إيران
شيعياً صارخاً.
ها هو ملف الحديدة ومينائها يتحرك بشكل
قوي جداً بإسناد من روسيا الاتحادية، وما ذاك إلا لأن الجميع بدأ يشعر بأن المعركة
تتجه نحو إنهاء تركة الانقلاب وإنهاء نفوذهم العسكري والسياسي، وأن مرحلة المساومات
السياسية والارتهان إلى التصورات الشاذة للحل التي دعمها جون كيري قد ولت إلى غير رجعة.
لذا تتعالى الأصوات المطالبة بإعادة إحياء
الأمل بإمكانية إنشاء المحمية الزيدية والإمساك بالمعقل الأخير وبالحاضنة الوحيدة،
باعتبارها السلاح الاستراتيجي الحقيقي المتبقي بعد الصواريخ البالستية المتهالكة التي
أطلقها الانقلابيون صوب المملكة.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة
نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها
ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.