عندما قرأت كتاب الحقيقة الغائبة للمفكر العلماني فرج فودة قلت إن هذا الكتاب ومجمل أفكار فودة سبقت زمنها بثلث قرن على الأقل، فأفكار الإسلاميين اليوم هي ثمرة هذه الأفكار التي طرحها فودة. عندما قرأت كتاب الحقيقة الغائبة للمفكر العلماني فرج فودة قلت إن هذا الكتاب ومجمل أفكار فودة سبقت زمنها بثلث قرن على الأقل، فأفكار الإسلاميين اليوم هي ثمرة هذه الأفكار التي طرحها فودة.
في ذلك الوقت، تحدث فرج فودة عن ضرورة وجود برنامج سياسي لأي حزب ديني يمنعه من ابتزاز الناس بحجة تطبيق الشريعة بشكل مطلق، ذلك أن اختلاف مفهوم الشريعة بين الجماعات الإسلامية يدعو كل جماعة إلى توضيح فهمها للإسلام بحسب ما تراه.
القراءات التاريخية لكثير من أحداث التاريخ تختلف، فما حصل من فتنة في أيام عثمان مثلا هي جذور أولى للثورة الشعبية على الحاكم في الإسلام كما يقرأها كثيرون.
لقد ولى سيدنا عثمان أقاربه في مناصب الدولة وكان هذا كفيلا بقيام ثورة عليه، لأن هناك حساسية عربية مبكرة تجاه مشاريع تولية الأقارب التي تلاشت مع تمدد الدول الكبيرة كالأمويين والعباسيين.
ثم إن عمومية الإسلام وقيمه قد جعلت تحقيق هذه القيم المثلى شيئا شائكا، فمثلا العدالة مفهوم إسلامي عام، لكن تطبيقه يخضع لطريقة كل عصر، وهو ما يتمثل بالقوانين التي تجعل من العدالة شيئا تطبيقيا، بمعنى أن الإسلام لم ينزل القيم على شكل قوانين، بل تركها قيماً عامة تتحقق في كل عصر بطريقة ما، بل إن بعض هؤلاء الإسلاميين ينادي اليوم بتحييد مؤسسات الدين عن الدولة، غير قادرين منهم على التصريح باسم العلمانية، رغم أن تحييد مؤسسات الدولة عن الدين، هو جوهر العلمانية، وذلك أن هذا اللفظ اكتسب على أيدي الإسلاميين صورة مشوهة.
ويبدو لي أن بعض الإسلاميين قد تخلوا عن فكرة الخلافة الراشدة، واقتصرت بعض تنظيراتهم في البرامج السياسية التي لا تتجاوز الحدود الجيو سياسية، ولعل تعامل تركيا مع بعض الدول التي يحكمها الإسلاميون لم تكن أكثر من تعامل يحفظ لكل دولة خصوصيتها وهويتها المستقلة، ولا يبدو أن صورة الخلافة الراشدة نقية في أذهانهم أيضاً، إذ إن مفهوم التوحد في أفضل حالاته بين الدول الإسلامية، سيكون على نموذج الاتحاد الأوروبي.
أذهلتني جداً طريقة الكتاب في تناول الموضوع وعرضه وحججه الدامغة وجمله الجريئة، وأذهلتني جداً الحقائق التي عرضها، وخاصة فيما يتعلق بأوراق من حياة الراشدين لأنه استطاع أن يدلنا على الطبيعية البشرية في كل جيل من الأجيال دون الالتفات إلى الجوانب النموذجية التي يرى البعض أنها كانت تشمل العصر كله.
ليست صورة الخلفاء تلك الصورة الزاهية في أذهاننا بل هي صورة مليئة بالتشوهات وليس هناك اليوم ما يغري بالخلافة.
ورغم دفاع فودة المرير ضد التصفية الجسدية من قبل هذا الفكر المتطرف الذي لا يؤمن بالآخر ــ كيفما كان الآخر ــ إلا أنه تعرض لما كان يناضل خوفاً منه، وتم تصفيته جسديا ككثير من الشرفاء، حتى تضاف نقطة سوداء في تاريخ هذا الفكر أحادي القطب والنظرة.
الإسلاميون اليوم يحملون أفكاره، لكنهم في ذلك الزمن اغتالوه بسبب الأفكار ذاتها.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.