الأورام تنهش أجساد أهالي “النجيشة” و”الشّقات” جنوبي اليمن
فاقمت الحرب التي تدور رحاها منذ نحو عامين باليمن، من معاناة المواطنين، وخصوصا المرضى منهم. يمن مونيتور/ خاص/ من عمار زعبل
الوجوم وحده من يكسو وجوه أهالي قرية “الشّقات” عزلة النجيشة، التابعة لمحافظة لحج جنوبي اليمن، خوفاً من مستقبل أكثر قتامة، في ظل مرض ينهش أجساد الكثير منهم، دون أن يفرق بين رجل أو امرأة أو طفل.
وفي الأشهر الخمسة الماضية، انضم 10 مصابين بمرض السرطان بمختلف أنواعه، تزامناً مع وفاة 3 آخرين، في فبراير/ شباط الجاري.
يقول سكان القرية لـ”يمن مونيتور” إن المصابين تجاوز عددهم 50 شخصاً في قريتهم فقط البالغ سكانها (900 نسمة) مع تزايد للحالات في قرى أخرى في عزلة النجيشة التي يبلغ تعداد سكانها 9000 نسمة.
نساء وأطفال وشباب، قاسمهم المشترك أورام سرطانية، وسرطان الدم، والغدد اللمفاوية وغيرها، كما أظهرتها تقارير طبية لبعضهم وجدوا لأنفسهم طريقاً إلى مشافي ومراكز الأورام، إما في العاصمة المؤقتة عدن، أو تعز، أو صنعاء، بينما ينتظر آخرون في ظل أوضاع معيشية، فاقمت منها الحرب المستعرة منذ عامين، فرصة للعلاج، على أمل أن يجدوا من يتكفل بعلاجهم، ونفقاته المرتفعة، فمشقة سفرهم من قريتهم تحتاج الكثير من المال كما أوضحوا لبعدهم في مرتفع شاهق وانعدام المواصلات، ناهيك عن ارتفاع سعر الأدوية والفحوصات الطبية.
العجز عن العلاج
فهيم شمسان، نازح من مدينة تعز، وجد نفسه دون عمل، بعد أن فقد وظيفته في إحدى الشركات التي غادرت اايمن بفعل الحرب؛ يقول بكلمات متكسرة، إنه يعجز عن “علاج زوجته (مجيدة) وابنه (فادي)، المصابين بأورام السرطان، البداية كانت من زوجته، التي أجريت لها عملية سابقة في الكتف ليعود لها مؤخراً إلى رقبتها، مصاحباً للألم، الذي كثيراً ما ينتابها.
لم يستطع تكرار العملية التي ساعده في إجرائها فاعلو خير، وتزيد معاناته بعد أن ظهور الورم في العمود الفقري لابنه فادي، (7 سنوات)، فعمله في بيع القات يكاد يفي بمصروفات أسرته اليومية، فكيف له الانتقال والسفر، ناهيك عن إجراء الفحوصات والأشعة والتنقل إلى مدينة عدن.
يقول فهيم لـ”يمن مونيتور” إن العملية الأولى لزوجته كلفته 300 ألف ريال، لكنه كان ميسور الحال، أما الآن فلا حول له ولا قوة”.
للأطفال نصيبهم
للطفولة نصيبها الأوفر من الألم، فأكثر الحالات هي من الأطفال، منهم “موسى رضوان”، في الثامنة من عمره، يعاني من سرطان الدم، اكتشف المرض فيه قبل 4 أعوام، وما بين صنعاء وعدن بدأت الرحلة بحثاً عن مركز لعلاج الأورام؛ جرعات متعددة للطفل وعلاج مستمر.
ترك أبوه موسى عمله ليتفرغ لعلاج ابنه، بمساعدة فاعلي خير كما يقول، وصندوق خيري في المنطقة، يعمل على جمع التبرعات.
يقول “رضوان”، الذي يحمل كيساً كبيراً يحوي ملفات وتقارير طبية توضح حالة ابنه، التي استقرت نوعاً ما، إنه ما زال في ذهاب شهري، إلى مدينة عدن، من أجل جرعة ابنه الشهرية.
لا يوجد في أسرة رضوان مريض آخر بالسرطان، إذ يقول إنه غير وراثي، كما يتبادر إلى الأذهان، هناك شيء غير طبيعي، قد تكون التربة، أو المياه التي يشربونها، وربما إشعاعات، فالإصابات من أسر مختلفة، وقد تجد في الأسرة الوحدة مصاباً، وفي أسرة أخرى أكثر من مصاب.
مراسل “يمن مونيتور” اطلع على حالات مختلفة لأطفال لا تتجاوز أعمارهم العام يعانون من أورام مختلفة، وخصوصاً في الرأس، بعضهم ذهبوا إلى أطباء في مناطق قريبة، كالتربة، لكنهم لم يجدوا التشخيص للمرض. ولا قدرة للأهالي بسبب الحرب السفر إلى مراكز الأورام، وأملاً بأن الأورام غير خبيثة، وأنها ستزول من رؤوس أطفالهم.
نساء مسنات
فتحية ثابت مقبل (52) عاماً لها رحلتها الخاصة مع السرطان، الذي اكتشفته قبل سنوات، وتمت لها عملية أولى في قطع الثدي، ليتكرر لها الورم في مناطق أخرى من الجسد، لتكرر التدخل الجراحي مرتين في مدينة، تعز، أما الآن وقد عادت لها الآلام لا مقدرة لها في الذهاب، الأمر لا يختلف كثيراً لدى زهرة محمد فارع (50 عاما) فالألم داهمها في البطن قبل سنوات لتستأصل وروماً خبيثاً كان وزنه أكثر من كيلو كما قالت، ليداهمها الورم من جديد في الرأس وبقع سوداء على الوجه.
إشعاعات
لم تزر أية منظمات إنسانية القرية، غير طبيب واحد حاولنا التواصل معه، ولم نستطع، فكما قال بعض الأهالي بأنه أجرى عدداً من الأبحاث، لكنه لم يطلعهم على النتائج لذهابه إلى مدينة أخرى للعمل. ما يؤمن به الأهالي بأنه هناك إشعاعات في منطقتهم.
يرى محمد علي النجاشي أحد السكان، بأن المرض أصبح ظاهرة في كثير من القرى، لكن للشقات النصيب الأوفر، ففي قرى برح الماء وشوصن وكربة ونجد كربة والمحلة والعقمة الكثير من الحالات.
الحرب تفاقم المعاناة
وفاقمت الحرب التي تدور رحاها منذ ما يربو على عامين من معاناة المرضى، نتيجة تراجع الامدادات الطبية وانعدام الكثير من الأدوية، واغلاق العديد من مشافي البلاد بسبب ضعف الامكانات.
وتقول تقديرات الأمم المتحدة إن 12 مليون شخص في اليمن يواجهون خطر المجاعة في ظل الحرب المستمرة منذ عامين وإن الوضع يتدهور بسرعة.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، مطلع فبراير/ شباط الجاري، أن ما يقدر بنحو 63 ألف طفل يمني لقوا حتفهم العام الماضي لأسباب كان من الممكن منعها وتتعلق في كثير من الأحيان بسوء التغذية.