أخبار محليةغير مصنففكر وثقافة

سقطرى.. وكأنها ليست يمنية!

في 7 أغسطس/آب الماضي تلقى سكان محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية في المحيط الهندي (أقصى جنوب شرقي اليمن) خبرا وقع على مسامعهم كالصاعقة، إذ قتل أحد السكان آخرا بالسلاح، في واقعة هي الأولى منذ 42 عاما في الأرخبيل المكون من 4 جزر.

يمن مونيتور /سقطرى /الاناضول
في 7 أغسطس/آب الماضي تلقى سكان محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية في المحيط الهندي (أقصى جنوب شرقي اليمن) خبرا وقع على مسامعهم كالصاعقة، إذ قتل أحد السكان آخرا بالسلاح، في واقعة هي الأولى منذ 42 عاما في الأرخبيل المكون من 4 جزر.
فمحافظة أرخبيل سقطرى، الواقعة نهاية خليج عدن على بعد 500 كم من الشاطىء اليمني, دوما هادئة، على عكس بقية اليمن، الذي تعصف به حرب قتلت حتى الآن، وفق الأمم المتحدة، 7469 شخصا، بينهم 1400 طفل، وجرحت 40 ألف و483 آخرين.
ومنذ 26 مارس/ آذار 2015، يشهد اليمن حربا بين القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، مدعومة بتحالف عربي تقوده الجارة السعودية، وقوات جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، مدعومة من إيران.
** حياة مسالمة
جراء هذه الحرب يتساقط يوميا قتلى وجرحى في أرجاء اليمن، لكن الوضع ليس كذلك في سقطرى، لذا عندما قتل أحد سكانها قريبا له بالسلاح حظيت الواقعة باهتمام كبير في الجزيرة، الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية.
آنذاك، قالت شرطة سقطرى إن “حادثة القتل جنائية بين طرفين من قبيلة واحدة، تشاجرا على مساحة أرض، وكان بحوزتهما أسلحة، ودفع الوضع التأزم بينهما إلى إطلاق النار”.
المهندس في نظم المعلومات، “إسكندر السقطري”، وهم من سكان مدينة حديبو، عاصمة سقطرى، قال للأناضول: “شعرنا بالرعب حين وصل إلى مسامعنا خبر الحادث، فمنذ ولدت في الجزيرة لم أسمع عن إطلاق رصاص ومقتل شخص”.
“السقطري” مضى قائلا إن “تفاصيل الحياة مسالمة وهادئة في الجزيرة، التي أقرت الحكومة اليمنية عام 2013 تحويلها إلى محافظة (3650 كيلومترا مربعا) بعد أن كانت تتبع محافظة حضرموت (جنوب شرق)”.
وموضحا، تابع: “نحن كسمطريين نعيش في سلام داخلي، والعلاقات المجتمعية والعادات والتقاليد الموروثة تجعلنا مجتمع متقارب متآلف، وفي حال نشب خلاف بين اثنين منا نعود إلى أهل الحل والعقد من الحكماء في الجزيرة.. السكان نشأوا على الحياة الهادئة والجميلة المستمدة من سلام وصفاء الجزيرة نفسها”.
** لا يحتفلون بالسلاح
على خلاف اليمنيين، الذين يرون في حمل السلاح جزء من شخصية وهيبة الرجل، فإن سكان سمطرى، البالغ طول شريطها الحدودي حوالي 300 كم، يعتبرون ذلك أمرا مقززا ويبعث على الريبة.
ودرجت العادة في أفراح اليمنيين وأعراسهم على إطلاق الرصاص الحي، ليتحول الأمر، وخصوصا في شمال اليمن، إلى استعراض ناري، فكل فرد يحاول إظهار جودة سلاحه وتميزه في إطلاق الرصاص.
بينما لا يوجد إطلاق للرصاص مطلقا في الجزيرة، التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقاقة (يونسكو)، الشهر الماضي، ضمن قائمة المواقع البحرية العالمية ذات الأهمية البيولوجية والتنوع النادر.
ويمتلك عدد محدود من أهالي الجزيرة السلاح، وبعضهم لا يزال يحتفظ ببنادق من عهد الاحتلال البريطاني (1835 – 1967)، لكن الكثير منها معطوبة ولا توجد له ذخائر.
** جرائم محدودة
عن اختلاف ثقافة السلاح في سقطرى قال “ثجاج الشزابي”، وهو مدون وناشط بيئي من الجزيرة، إن “الطبيعة المسالمة للسكان دفعتهم إلى تكوين انطباع بأن حمل السلاح أمر يحط من شرف الرجل، ودلالة على أن شخصيته ضعيفة ويحاول أن يكملها بحمل السلاح.. من يحمل السلاح هم جنود الأمن والجيش أثناء عملهم”.
الناشط اليمني تابع، في حديث للأناضول، أن “الجزيرة لا توجد فيها حيوانات مفترسة، وهذا كان من الأسباب الرئيسية التي لم تدفع السكان إلى اقتناء السلاح.. كل من يعيش على الجزيرة مسالم، الإنسان والحيوان على حد سواء، ولذلك لا توجد جرائم قتل أو سطو أو اعتداء”.
ثم استدرك موضحا: “توجد حالات محدودة من الجنح والجرائم الصغيرة في الجزيرة، لكنها أقل من 1%، وأغلبها مخالفات بسيطة، وبعض السرقات، التي يقف وراءها مختلون عقليا”.
ولسكان سقطرى لغة خاصة (السقطرية) يتحدثونها، وبرلمانات لحل مشاكلهم، وهي موجودة على مستوى كل قرية وتجمع سكاني، وتسمى “مسلهم”.
والبرلمان موقع تجتمع به قبائل لمناقشة الأوضاع، وفيه يدرس الحكماء والأهالي مشاكلهم حتى يخرجون بحل، كما هو الحال في قضية القتل “غير المتعمد” التي شهدتها الجزيرة العام الماضي، حيث انتهت بالصلح.
** استقرار أمني
أغلب سكان سقطرى، البالغ عددهم قرابة 150 ألف نسمة، يعملون في الزراعة ورعي الماشية والصيد.
استقرار الوضع الأمني في سقطرى، واتساع مراعيها الخضراء، دفع المزارعين إلى إطلاق أغنامهم وأبقارهم وإبلهم في السهول والوديان، دون خشية من أن تتعرض إلى السرقة أو أي اعتداء من الآخرين.
ومع كل صباح يفتح سعيد أحمد حظيرته لتنطلق المئات من الأغنام في الجزيرة، وعند المساء تعود إلى الحظيرة دون أن تتخلف واحدة.
أحمد قال للأناضول: “لا أخشى على أغنامي من سكان الجزيرة، فهنا لا يعتدي أحد على حق أحد، وكل المواشي مملوكة ومعروف مالكها”.
استقرار الوضع الأمني في سقطرى بلغ حد أن المواطنين لا يغلقون سياراتهم إلا فيما ندر، فالمدينة المحدودة في الجزيرة، تجعل التفكير في سرقة سيارة أمر غير مجد.
وبحسب أحمد “إذا سُرقت سيارة فمن غير الممكن أن يعمل بها السارق، فالمناطق محدودة، ولا يمكن تهريبها إلى خارج الجزيرة إلا عبر الميناء الصغير للجزيرة وهو خاضع للأمن، ولا يُمكنك أن تبيعها أجزاء (تشليح)، فكل ورش تصليح السيارات لا تتعامل بهذا الوضع، وهي محدودة”.
** بعيدا عن الصراعات
مدير الأمن في محافظة سقطرى، صالح علي، قال إن “المجتمع المحلي بقي بعيدا عن الصراعات السياسية والحرب الأهلية التي تدور منذ عامين”.
وهو وضع أرجعه، في تصريح للأناضول، إلى “طبيعة أهالي الجزيرة، فهم ينبذون كافة أشكال العنف وظواهر حمل السلاح.. القضايا الجسيمة ليست موجودة في الجزيرة، وكل القضايا التي نتعامل معها محدودة”.
وبفخر وسعادة، ختم مدير أمن سقطرى بأنه “في الوضع الطبيعي لا يتعدى متوسط عدد السجناء 10 من إجمالي سكان الجزيرة، وأغلبهم موقوفين فقط”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى