آراء ومواقف

ترمب ومعركة الإعلام

مأرب الورد

يبدو أن ترمب يخسر معركته مع الإعلام الأميركي، مثلما خسر معركته مع القضاء، لكنه بعد شهر من توليه الحكم يُظهِر إصرارا عجيبا على مواصلة حملة الانتقادات للسلطتين، دون تقييم للنتائج التي ترتد عكسيا عليه، خلافا لما تشتهيه سفنه.

يبدو أن ترمب يخسر معركته مع الإعلام الأميركي، مثلما خسر معركته مع القضاء، لكنه بعد شهر من توليه الحكم يُظهِر إصرارا عجيبا على مواصلة حملة الانتقادات للسلطتين، دون تقييم للنتائج التي ترتد عكسيا عليه، خلافا لما تشتهيه سفنه.
وعلى سبيل المثال، سجّلت تقارير صحافية استعادة وسائل الإعلام التقليدية ثقة الناس بها بعد مرحلة تراجع، وشهدت صحفٌ هاجمها ترمب مرارا ووصفها بالفاشلة مثل «نيويورك تايمز» زيادة قياسية في عدد المشتركين بلغ 276 ألف مشترك.
يحدث هذا في الوقت الذي واصل ترمب حربه ضد وسائل الإعلام، واصفا إياها بـ»عدو الشعب الأميركي» في خطوة لم يسبقه إليها رئيس أميركي من قبل، لمجرد أنها انتقدت قراراته، وهو منطق الدكتاتور الذي يختزل الدولة بشخصه، ويعتبر كل نقد موجه له إنما هو استهداف للشعب، يستحق القائمون عليه وضعهم في خانة أعدائه.
في مقال له، يرى السياسي الأميركي، روبرت رايخ، أن ترامب بدأ قبل انتخابه استخدام أساليب الطغاة في تقويض حرية واستقلال الصحافة من خلال سبع تقنيات هي توبيخ وسائل الإعلام، ووضع الناقدة منها على القائمة السوداء، وحشد الجمهور ضدها وتهديدها علنا.
يدرك ترمب دوروسائل الإعلام كوسيط بينه وبين الجمهور الأميركي، ولهذا أراد القضاء على الوسيلة التي تفصله عن الجمهورباستخدام حسابه الشخصي بموقع تويتر، للتعليق على كل حدث فوراً، والتواصل مع الشعب الأميركي مباشرة، وترك الإعلام يتابعه وينتظر تغريداته يومياً، ولا يستطيع سؤاله في هذه الحالة.
ولأنه مختلف في كل شيء عمن سبقه، فهو يرغب في الحكم دون إعلام يراقبه وينتقد أداءه، خلافا مثلا للرئيس الراحل توماس جفرسون، الذي قال «لو ترك لي الخيار بين أن تكون لنا حكومة من دون صحف، أو صحف من دون حكومة، فلن أتردّد في اختيار الثاني».
الفرق واضح وكبير بين الرؤيتين، فالأول يراها عدوا للشعب، والثاني داعمة له في الحكم، وفي هذه الحالة سيقضي ترامب فترة رئاسته الأولى شاكيا وغارقا في انتقاد وسائل الإعلام، ويكون حاله مثل «البحار الذي يشتكي من البحر» كما وصف هذا النوع من السياسيين، ونستون تشرشل.
حرية وسائل الإعلام باتت من أهم مؤشرات قياس الدول الديمقراطية، ولا يمكن اعتبارُ دولةٍ ديمقراطيةً وهي تعادي «السلطةَ الرابعةَ»، وتُضيِّق الخناقَ على المنتسبين لها، ذلك أنها صوتُ الشعب ومحاميه في كل انتهاك وقضية.
غير أن الحال في أميركا بعهد ترمب يقتضي التفريق بينه كرئيس يعادي وسائل الإعلام، وبين بقية مؤسسات الدولة التي تحترمها، ويظل موقفه منها محسوبا عليه فقط، ما لم يُحدِث تغييراً ينعكس على سلطات الدولة ويقيد حريتها، وهذا ما لا يمكن توقعه ببلد ديمقراطي تحكمه مؤسسات قوية قادرة على ضبط سلوك الرئيس وردعه.;
نقلا عن العرب القطرية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى