11 فبراير 2011، يوم أكد فيه الأحرار أن استكمال مسيرة الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر حاضرة في وجدان الشعب اليمني، وبأن تحقيق تطلعات أبناء الحركة الوطنية على امتداد مسيرتها أضحى هدفاً بل مشروعاً يتجه نحو التحقيق الفعلي على أرض الواقع.
الـ11 من فبراير، يوم استثنائي في تاريخ اليمن..
يوم برزت فيه قيم العزة والكرامة والتوق إلى الحرية، التي حاولت قوى الفساد والاستبداد وأدها في النفوس.
يوم انبعاث الأمل.. وتجدد العزم.
يوم أكد فيه الأحرار أن استكمال مسيرة الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر حاضرة في وجدان الشعب اليمني، وبأن تحقيق تطلعات أبناء الحركة الوطنية على امتداد مسيرتها أضحى هدفاً بل مشروعاً يتجه نحو التحقيق الفعلي على أرض الواقع.
اتفقت كل فئات المجتمع اليمني على بناء يمن جديد، وتوحدت لتحقيق هذه الغاية كل الفئات والتيارات السياسية والفكرية، وارتفعت بالنداء بشعاراتها كل الأصوات “الشعب يريد بناء يمن جديد”.. كان الشعار كالصاعقة تزلزل قلوب وعقول المستبدين الذين رسموا في أذهانهم خريطة الملكية الخاصة للوطن، واستغلوا ثرواته وبددوا خيراته وأنهكوا كاهله بصراعات بينيه شغلت أبناءه عن المطالبة بحقوقهم والطموح بتغيير واقعهم.
لقد كرس رأس النظام وحاشيته جهودهم لوأد مشروع ثورة فبراير التي قضت على مشروع التوريث وصححت مسار الحركة الوطنية بغية الوصول إلى بناء الدولة المدنية الحديثة المنشودة.
وعمل “صالح” ونظامه على الحفاظ على مصالحهم ومطامحهم القديمة من خلال الثورة المضادة التي توجت مؤامراتها بإعلان تحالفهم مع الرجعية وبقايا الإمامة البائدة لإفشال كل المساعي الرامية إصلاح البلاد، وتوحدت جهودهم لزعزعة الأمن والاستقرار وتقويض التوافق والعملية السياسية.
ولم يكتف النظام السابق بذات النسق الفاسد والفاشل وسوء إدارته للدولة طيلة ثلاثة عقود بل تعمد السير بالوطن نحو الهاوية والدمار لكل مقدرات الوطن، سعياً لاصطدام قوى التغيير بواقع يصعب تغييره، وخلق حالة من التذمر والمعاناة المجتمعية التي ترتفع خلالها النداءات المطالبة بعودة الماضي بسلبياته.
لقد أثبتت ثورة فبراير الشبابية الشعبية السلمية رفضها لمسار العنف والدماء والدمار الذي يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الوضع الحالي المؤلم الذي يشهده الوطن هو نتيجة لإصرار المخلوع مع بقايا الإمامة على تدمير الوطن والانتقام من الشعب المطالب بالتغيير.
وعلى الرغم من ارتباط مفهوم الثورات غالبا بالعنف، إلا أن الربيع العربي أثبت خلاف ذلك وإن تطورت أحداث بعض الثورات ووصلت إلى العنف نتيجة للثورات المضادة ودموية الأنظمة.
فقد كانت ثورة فبراير نموذجاً فريداً بسلميتها ومدنيتها ووسائلها الحضارية رغم أنها محاطة بكل مصادر الاشتعال والانفجار التي زرعها صالح.
كما تعاطت بشكل إيجابي مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، رغم إدراك الشباب وتحذيرهم من استثمار المخلوع للمبادرة تحت حماية الحصانة وشراكته من خلال رموز حاشيته لزرع بذور الفتن والتسلل إلى المجتمع من مناطق الضعف التي أوجدها قبل رحيله من السلطة، خصوصا الأجهزة الأمنية والعسكرية التي سيطر عليها أفراد العائلة .. والتي خذلت الدولة في صد المخاطر والتمرد الذي التهم المدن والمعسكرات بأريحية تامة.. فضلا عن الاقتصاد المنهك والتي وجدت حكومة الوفاق نفسها أمام تركته الثقيلة ومشاكله المستعصية رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها لاحتواء الأزمة والنهوض بالاقتصاد الوطني.. ولا يتسع المجال هنا لذكر كافة الأسباب التي دفعت الوطن إلى السير الإجباري في هذا المسار المأساوي والتي يدركها الجميع والتي تمثل مظاهر للثورة المضادة التي اكتملت أركانها بإعلان انقلاب تحالف الحوثي وصالح في 21 سبتمبر 2014م بكل تبعاته الدموية الاجرامية الإرهابية الفاسدة.
واللافت في مسار الانقلاب أنه لم يكتف بمحاربة مشروع ثورة فبراير ومحاربة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني فحسب، والذي كانت مكونات الانقلاب جزء من صياغته.. بل امتد سوء المشروع الانقلابي لمحاولة طمس هوية الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وتكريس الرجعية بأبشع صورها.
فقد اصطف في مقدمة الانقلابيين أركان الدولة العميقة من الرجعيين الذي حافظ المخلوع صالح على بقائهم المؤثر في مفاصل الدولة.
وقد كان انقلاب 21 سبتمبر2014م بمثابة شاهداً إضافياً للتاريخ بأن ثورة فبراير كانت ضرورة حتمية وملحة لإنقاذ الوطن وبناء الدولة المدنية الحديثة.. دولة المؤسسات والحكم الرشيد وسيادة القانون والعدالة والمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية الحقيقية في السلطة والثروة، واجتثاث الفساد من مؤسسات الدولة، وتحرير العقول من ثقافة تقبّل الفساد التي كرسها نظام المخلوع فكرا وسلوكاً.
ورغم ما خلفته الثورة المضادة من دمار فإنها لن تكون أقوى من إرادة الشعب الذي أقر انطلاق عجلة التغيير، ولن تعيق استكمال تنفيذ أهداف الثورة .. فثورة فبراير لم تكن نتاج صراع فوقي يستهدف أشخاص أو تحركه نزعات شخصية او فئوية أو مناطقية، بل كانت ثورة شبابية شعبية شاملة وواعية شارك فيها كل فئات المجتمع وتياراته الفكرية والسياسية والمجتمعية، وأتت على جناح الجماهير الواسعة التي دفعتها إفرازات فشل سياسة المخلوع ونظامه وسوء إدارة الدولة والعبث بالوطن ومقدراته وثرواته.. ولذلك فإن الشعب قادر على حماية ثورته ومساراتها التي تقود إلى بناء اليمن الجديد وتحقيق كامل أهداف الثورة.
إن أمام الجميع في هذه المرحلة التاريخية الصعبة مهمات كبيرة، قد تكون أكثر أهمية من الفترات السابقة، ومنها الإسهام الجاد لاستكمال إنهاء الانقلاب وتبعاته المؤلمة، والاستمرار بكل جهدٍ وتفانٍ لنشر الوعي في أوساط المجتمع، وصناعة العقول التي يعول عليها بناء المستقبل المنشود.. إذ أن الثورة لا يقاس نجاحها بتحقيق المكاسب السياسية فقط بل بقدراتها على إحداث التحولات الاجتماعية والثقافية والفكرية داخل المجتمع.. وقدراتها أيضا على الحيلولة دون نشوء ديكتاتوريات جديدة تولد من رحمها، أو نشوء تحالفات تقوم على أسس مذهبية أو مناطقية أو إتاحة الفرصة لنمو بيئة حاضنة لتكريس ثقافة الاستبداد الحاضنة للطغاة، واتساع الفجوة بين الحاكم والمحكومين، او افتعال الخلاف في الصف الثوري بهدف اعاقة استكمال تحقيق الثورة لأهدافها.
ومن المؤكد أن السير في درب الثورة والتغيير، بحاجة إلى تحقيق إنجازات ملموسة، إلا أن الثورة من الطبيعي أن لا تقابل بالورود، أمام مصالح ومطامع الأنظمة الحاكمة والتركة الثقيلة من الفساد والتدهور الاقتصادي التي تخلفها.
والمراحل الصعبة التي تمر بها الثورة قد تؤخر سرعة تحقيق هذه الإنجازات الملموسة على أرض الواقع إلا أنها لن تعيق مطلقاً استكمال تحقيقها.. ومن غير المنطقي قياس ملموسية النتائج ومعيارية كمال نجاح الثورة في فترات قياسية ما زالت الثورة فيها تمضي في مرحلة معالجة أزمات سقوط الفساد وصولا إلى مرحلة البناء والاستقرار.
ومع تسليمنا المطلق بحقيقة أن الثورات بثمارها لا بأحداثها إلا أن الانتقال في الخطوات ثمرة بحاجة إلى أن تكون ثابتة وقوية، حتى لا ينحرف المسار فمن الصعب إعادة الفرصة وتهيئة نقطة انطلاقة تاريخية جديدة.
كما أن الوصول إلى التقدم والحضارة يحتاج إلى جهود كبيرة من الكفاح والنضال والعمل الجمعي والتكاتف والتعاون من كل أبناء المجتمع بلا استثناء بمختلف توجهاتهم، إذ لا يمكن تحقيق هذه الغاية دون استمرار وثبات وتماسك الصف الوطني.
ختاماً.. نجدد تأكيدنا بأن ثورة الـ11 من فبراير مستمرة ومتجددة ومتقدة.. لا تراجع فيها ولا ملل ولا تخاذل ولا تهاون.. حتى تحقيق كامل أهدافها وبناء اليمن الجديد.. وأن تضحيات أبطالها لن تذهب هدراً أو سدى..
الرحمة على أرواح المناضلين، شهداء ثورة فبراير المجيدة وكل شهداء الوطن اليوم وفي مختلف محطاته ومراحلة التاريخية.
والشفاء للجرحى.. والحرية للمختطفين..
والنصر للوطن..
*ياسر الرعيني، وزير الدولة لشؤون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني باليمن.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.