(ثورة فبراير) مسار لحظة اليمن المحورية نحو الانتقال الديمقراطي وإخفاقاتها
ما يمز الثورة اليمنية (فبراير/شباط2011) أنها لم تتخذ علامة أو إشارة (رمزية) تصور الجماهير الغاضبة والمحتشدة لإسقاط النظام أنها ذات انتماء اجتماعي أو أيدلوجي فهي لم تحمل لافتات تشير إلى أنها “ثورة عمالية” و”ثورة دينية-عرقية” لم ترفع “ثورة تعز” أو “ثورة الجنوب” أو “ثورة صعدة وصنعاء. فشعارات الثورة بقدر ما كانت فضفاضة وفوضوية واسعة الإطار أكدت الوضع السائد أن المواطن غير قادر على احتمال نظام صالح مهما كان أصل المواطن اجتماعياً وفكرياً فانخرط للمطالبة بحق العمل ومن أجل الحرية ومع الديمقراطية ولترسيخ العدل والكرامة، فالكرامة التي حارب من أجلها شعبنا منذ الاستعمار والكهنوت أصبحت مُهدرة إلى أبعد التصورات، حتى أصبح اليمني نموذجاً للتطاول على كرامته إن بقي في بلده وإن هاجر منها وإن عاد إليها. لقد مثل اختلاف الثوار في الشعارات الذين لم يحددوا زمناً معيناً أو جدول بمساحة التحرك لمواجهة النظام وهو ما خلق لحمة استثنائية لم تكن من قبل تحت اسم “الشعب”، الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد اسقاط العائلة، الشعب يريد.. الشعب يريد. يمن مونيتور/ تقدير موقف/ من عدنان هاشم
ما يمز الثورة اليمنية (فبراير/شباط2011) أنها لم تتخذ علامة أو إشارة (رمزية) تصور الجماهير الغاضبة والمحتشدة لإسقاط النظام أنها ذات انتماء اجتماعي أو أيدلوجي فلم ترفع ثورة الطلبة ولا احتجاجات العُمال ولم ترفع “ثورة تعز” أو “ثورة الجنوب” أو “ثورة صعدة وصنعاء. فشعارات الثورة بقدر ما كانت فضفاضة وفوضوية واسعة الإطار أكدت الوضع السائد أن المواطن غير قادر على احتمال نظام صالح مهما كان انتماء الإنسان اجتماعياً وفكرياً فانخرط للمطالبة بحق العمل ومن أجل الحرية ومع الديمقراطية ولترسيخ العدل والكرامة التي حارب من أجلها شعبنا منذ الاستعمار والكهنوت أصبحت مُهدرة إلى أبعد التصورات، حتى أصبح اليمني نموذجاً للتطاول على كرامته إن بقي في بلده وإن هاجر منها وإن عاد إليها.
لقد مثل اختلاف الثوار في الشعارات الذين لم يحددوا زمناً معيناً أو جدول بمساحة التحرك لمواجهة النظام وهو ما خلق لحمة استثنائية لم تكن من قبل تحت اسم “الشعب”، الشعب يريد إسقاط النظام، الشعب يريد اسقاط العائلة، الشعب يريد.. الشعب يريد.
وبإعادة قراءة مسار ثورة 11 فبراير يمكن القول إنها مرت بانتقالين مهمين: التسوية السياسية التي أقصت صالح من السلطة في نوفمبر/تشرين الثاني 2011م، والثاني: مؤتمر الحوار الوطني والذي أوصل مخرجاته في يناير/كانون الثاني 2014م.
مسار التسوية السياسية
مثلت الثورة اليمنية في عامها الأولى تجليّ لحكمه المجتمع والشارع المطالب بإسقاط النظام و وقف التوريث، من أجل انتقال ديمقراطي كامل فالتحمت المعارضة السياسية المُنظمة بالشارع، أملاً بالانتقال ينتج من تكثيف الضغوط على النظام الحاكم من خلال التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي تقودها وتشارك فيها قوى المعارضة الديمقراطية، بحيث تجبر النظام في نهاية المطاف على تقديم تنازلات تفتح الطريق للانتقال الديمقراطي على غرار ما حدث في كل من الفلبين وكوريا الجنوبية والمكسيك.
مثلت مجزرة جمعة الكرامة (مارس/آذار2011) التي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى في ساحة التغيير بصنعاء، منعطفاً هاماً في مسار الثورة اليمنية فبعدها انشق الجيش وانضم الجنرال القوي علي محسن الأحمر للثوار ضد نظام صالح، ولحقته القبيلة ثم أعضاء الحكومة وكبار القادة العسكريين والقيادات المقربة من صالح والتي تتزعم حزب المؤتمر الحاكم.
تحركت السياسة الخليجية بعدها في محاولة لإيجاد حل سياسي وسلمي بعد أن كانت قوات صالح تمتهن المجازر في اليمنيين في صنعاء وتعز وعدن وإب والضالع وتواجه رجال القبائل الموالين للثورة في أرحب عندما منعت قواته من التحرك صوب العاصمة، وحتى وسط العاصمة كان صالح يستهدف منزل عائلة الأحمر -زعيمة قبيلة حاشد- بعد إعلان انضمامها للثورة، حتى يونيو/حزيران عندما تعرض صالح لهجوم كبير في دار الرئاسة، وانتقل للعلاج في المملكة العربية السعودية وهناك تم التوقيع على اتفاق نقل السلطة إلى نائبه عبدربه منصور هادي الرئيس اليمني الحالي، وتمت الانتخابات في فبراير/شباط2012م ليكون هادي مرشح توافقي للأحزاب السياسية.
وقامت الثورة بقيادة الانتقال الذي تقوده قوى المعارضة على أثر انهيار النظام غير الديمقراطي أو إطاحته والتي كانت الساحات ممثلها الرئيس والضاغط. وبموجب ذلك بدأت القوى الوطنية التحرك لمرحلة تأسيس نظام ديمقراطي جديد يحل محل نظام “صالح” وأعلن عن الحكومة التي يقودها محمد سالم باسندوة والتي تعرضت للكثير من العثرات لإفشالها.
خلال هذه المرحلة بدأت تتجلى العثرات أمام ثورة فبراير/شباط، فبرز رفض الحوثيين لترشيح “هادي” رئيساً للبلاد، كما أعلنوا رفضهم للمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية، وبالرغم من ذلك سُمح لهم بالمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني بـ37مقعداً وهي نسبة كبيرة إذا ما تم مقارنتها بباقي حصص التيارات المشاركة في البلاد بالإضافة إلى احتفاظهم بالسلاح (بما فيها الثقيل والمتوسط)، وهنا كانت الخطورة الكبيرة فصالح الذي احتفظ بالنصف (في كل التعيينات الحكومية ومؤتمر الحوار بموجب المبادرة) استخدم شبكة واسعة من النفوذ وسخرها لخدمة الحوثيين الذي اجتاحوا صنعاء في سبتمبر/أيلول2014م. كما أظهر تنظيم القاعدة ميولاً ساسياً بتوسيع الخروقات الأمنية وتدشين سلسلة من التفجيرات وسط العاصمة ومراكز المحافظات في وقت كانت كل الاتهامات تذهب نحو صالح.
مؤتمر الحوار الوطني
بانتهاء انتقال السلطة بدأت المرحلة التالية للثورة اليمنية والذي مثل المرحلة الثانية للانتقال الديمقراطي (من أسفل إلى أعلى) حيث عُقِد مؤتمر الحوار الوطني بين أذار/مارس 2013 حتى كانون الثاني/يناير 2014 مع استمرار عملية التحشيد العسكرية كانت تلوح في الأفق لشبكات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وحشد تعبئة لدى جماعة الحوثيين (الجماعة المتمرّدة المعروفة الذين يقاتلون الحكومة المركزية منذ العام 2004)، وتهديد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي تجسد في سلسلة طويلة من عمليات اغتيال لمسؤولين أمنيين.
رفض الحوثيون المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لكنهم قبلوا بالدخول في مؤتمر الحوار الوطني مُثلوا فيه ب(37) مقعد أقل بقليل من حزب الإصلاح اليمني (50) مقعداً وهو ثاني أكبر الأحزاب السياسية اليمنية بعد حزب “صالح”، رغم رفض الحوثيين للمبادرة الخليجية والآلية التنفيذية، وهو الذي سمح لهم بالمشاركة مع بقاء ترسانة الأسلحة بأيديهم، وطوال فترة جلسات الحوار الوطني تمدد الحوثيون بأسلحتهم مستهدفين الأراضي الشمالية لـ”صنعاء” في حجة وصعدة والجوف وعمران وحتى مأرب وأرحب.
مثل الحوار الوطني تبني واضح لأهداف ثورة فبراير، وأعاد بلورتها ضمن لجان المؤتمر وإن كان بطريقة مختلفة، فقد قام المؤتمر بنكئ الجروح القديمة والحروب السابقة من بعد ثورتي سبتمبر/أيلول و أكتوبر/تشرين الأول في ستينات القرن الماضي وحتى اليوم، وكانت القضية الجنوبية وبناء الدولة محوراً لنقاشات وجدل للوصول في نظر كل اليمنيين إلى الدولة المنشودة، وعالجتها مخرجات الحوار الوطني إلى جانب العديد من المشكلات استعداداً لمرحلة جديدة لانتقال ديمقراطي حقيقي وفق الدستور الذي سيتم الاستفتاء عليه بنظام الأقاليم.
وشهد المؤتمر طوال عشرة أشهر اعترافات واعتذارات للأخطاء السابقة ومن تم التحامل عليهم بها وتوضيح القصور أملاً في معالجة أوسع مستقبلاً، وهو حلّم الثورة وتفاعلت معه كل القوى-بالرغم من مرحلة الاستقطاب الكبير الذي كان يدور- لكنها صححت المفاهيم، عدا من يحملون الحقد القديم والجديد على اليمنيين واجتماع كلمتهم ضد الاستبداد السياسي ودولة الكهنوت الإمامي، فتحالف الفريقين إلى جانب تحالف مع تنظيم القاعدة في جنوبي البلاد، واجتاحوا العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014م وسيطر الحوثيون على الدولة اليمنية بمؤسساتها وأحكموا قبضتهم على إدارة البلاد، ومع ذلك حاولت السلطة في البلاد إتمام المرحلة الانتقالية بالاستفتاء على الدستور، وفي يناير/كانون الثاني اختطف الحوثيون أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب الرئاسة-أمين عام الحوار الوطني- الآن سفير اليمن في واشنطن- ومعه مسودة الدستور اليمني لمنع تقديمه في اجتماع رئاسي، وعندها دخلت الثورة اليمنية مرحلة جديدة حاسمة في أهدافها.
رفض شباب الثورة الشعبية تشييع جنازة الثورة التي قدمت أكثر من ثلاثة آلاف شهيد وعشرات الآلاف من الجرحى ومئات المعتقلين، فالمرحلة الجديدة التي جاءت بعد اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء هي مرحلة طبيعية تمر بها الانتفاضات الشعبية كما حدث في معظم دول أمريكا اللاتينية في سبعينيات القرن الماضي، عندها خرج الشباب المقاوم للحوثيين من شعار السلمية إلى حمل السلاح ضد الحوثيين المتحالفين مع الثورة المضادة التي يقودها علي عبدالله صالح.
مع بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي في مارس/ آذار 2015م، كان شباب الثورة بين المعتقلات وفي جبهات ضعيفة في مراكز المدن تدافع عن مشروع الدولة، كسبت الثورة اليمنية مجدداً باعتراف دول الخليج العربي بثورة فبراير/شباط وظهر ذلك واضحاً في الصحف و وسائل الإعلام الرسمية وحتى تصريحات كبار المسؤولين الخليجيين وهي التي كانت نذّير تشاؤم مفرط من قبل بعض القيادات في مجلس التعاون. وبالتأكيد أن الحرب الأهلية التي تعقب الانتفاضات تكون عاملاً في انتهاء الحديث عن الثورة بل وحتى تحميلها المسؤولة، إلا الثورة اليمنية ترسخت أكثر في جذور الانتقال الديمقراطي الناشئ مع كل مرحلة أعقبت بزوغ شراراتها.
خلاصة مراحل الثورة
لقد مرت الثورة اليمنية بمراحل أربع المراحل الأربع: الأولى “المرحلة التمهيدية للثورة”، والتي بدأت منذ تعيين نجله قائداً لقوات النخبة (2003) والعدول عن قراره الترشح في (2006)، الثانية “حدوث الثورة نفسها”، طوال (2011) وحتى انتخاب هادي رئيساً للبلاد (فبراير/شباط2012)، الثالثة، “مرحلة الأزمة” والتي عانت فيها حكومة المعتدلين(باسندوة) من هجمات وعثرات من قبل الثورة المضادة وحتى سيطرة المتطرفين على صنعاء، الرابعة “مرحلة الخلاص”، بدأت منذ إعلان الحوثيين الإعلان الدستوري في (فبراير/شباط2015) والتي تمر بها اليمن اليوم، والتي يتزايد الحاجة فيها لنسيان “الثورة” التي تظهر كأنها نقيض للاستقرار.
وتنتهي عندما يحصل المعتدلون على العفو، ويقمع المتطرفين ويتم اعدام الأكثر عنفاً وتنشأ بعض الأفكار الجديدة ويتحول هيكل القوة قليلاً وتطبق بعض الإصلاحات ويمحى أسوأ ما في النظام القديم، وبدأ اهداف الثورة تتدحرج تدريجياً فقد بات اليمنيون اليوم يعرفون أهدافاً جيداً أكثر من الفترة التي أعقبت ثورتي سبتمبر وأكتوبر وحتى ثورة فبراير وهي دولة جمهورية تحمي الإنسان وتصون حقوقه وفق مبدأ المواطنة المتساوية.
المزيد حول مراحل الثورة.. تشريح الأزمة اليمنية