(تقدير موقف) التدخل الأمريكي ضد الحوثيين.. الأسباب والوسائل والمآلات
ما لبث الإعلان الأخير لواشنطن بوصف جماعة الحوثي “إرهابية” تابعة بالوكالة لإيران أن لحقه إجراء أمريكي بإرسال المدمرة “كول” إلى سواحل البحر الأحمر. ظلت الجمهورية اليمنية في ذيل أجندة الولايات المتحدة الأمريكية، والآن صعدت لتكون في أولى أولياتها السياسية والعسكرية والأمنية.
نادراً ما كانت السياسة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية تتبع تهديدها بأفعال، فيوم الخميس الماضي 2فبراير/شباط أعلنت أنها تقدم اشعاراً رسمياً لإيران بشأن تجربة الصواريخ البالستية ودعم الحوثيين في اليمن، واتبعته في اليوم التالي بوضع 25 كياناً إيرانياً ضمن قائمة العقوبات التي تجددت فعلياً عشر سنوات في ديسمبر/كانون الأول2016م. يمن مونيتور/ تقدير موقف/ من عدنان هاشم:
ما لبث الإعلان الأخير لواشنطن بوصف جماعة الحوثي “إرهابية” تابعة بالوكالة لإيران أن لحقه إجراء أمريكي بإرسال المدمرة “كول” إلى سواحل البحر الأحمر. ظلت الجمهورية اليمنية في ذيل أجندة الولايات المتحدة الأمريكية، والآن صعدت لتكون في رأس قائمة أولوياتها السياسية والعسكرية والأمنية.
نادراً ما كانت السياسة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية تتبع تهديدها بأفعال، فيوم الخميس الماضي 2فبراير/شباط أعلنت أنها تقدم اشعاراً رسمياً لإيران بشأن تجربة الصواريخ البالستية ودعم الحوثيين في اليمن، واتبعته في اليوم التالي بوضع 25 كياناً إيرانياً ضمن قائمة العقوبات التي تجددت فعلياً عشر سنوات في ديسمبر/كانون الأول2016م.
حوّلت الولايات المتحدة الأمريكية في العهد الجديد وجهها نحو اليمن لكنها تبحث عن إيران ولجّم تمددها قرب الممر الدولي الهام، استهدف الحوثيون مدمرة أمريكية في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، وقال مسؤولون أمريكيون لـ أن بي سي نيوز إن إيران قامت بتزويد الحوثيين بصواريخ ساحلية موجهة لاستهداف السفن. فيما قال قائد القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية المكلفة بحماية المياه قبالة اليمن ان الولايات المتحدة وحلفاءها اعترضت خمس شحنات الأسلحة من إيران متجهة للحوثيين. وأقتنع القادة العسكريون الأميركيون أيضا أن إيران تقوم بتدريب الحوثيين على تشغيل أسلحة متطورة وأنظمة الرادار.
الهدف إيران عبر الحوثيين
خلال عهد باراك أوباما ضلت واشنطن بعيدة عن وضع الحوثيين في قائمة الجماعات التابعة لإيران -كحزب الله والحشد الشعبي في العراق- بل وصل الأمر إلى اعتبار الحوثيين حلفاء في مواجهة الإرهاب وهو منطق لم يتفهمه حلفاء واشنطن في الخليج العربي ما أدى إلى توتر العلاقات بالرغم من إعلان واشنطن دعمها لعمليات التحالف العربي في اليمن التي انطلقت في آذار/مارس 2015م.
وقال كليمنت تيرمه، وهو باحث بالشؤون الإيرانية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إن ترامب هو بالفعل يتخذ نهج أكثر صعوبة مما كان عليه الرئيس باراك أوباما. نهج الرئيس الجديد “إذا كنت أنت صديق، أنت صديق بنسبة 100 في المئة، وإذا كنت عدوا، فأنت عدو 100 في المئة”، وفقا لتيرمه. ولا يمكن أن يكون هناك صديق في منطقة وعدو في منطقة أخرى.
مايكل ستيفنز، وهو زميل أبحاث دراسات الشرق الأوسط في المعهد الملكي البريطاني، قال إن السعودية تورطت عسكرياً في اليمن كوسيلة لمنع إيران من استغلال عدم الاستقرار في جارتها الأكثر فقرا. مشيراً إلى أن تورط إيران في لبنان وسوريا والعراق هو أعمق بكثير مما هو في اليمن.
واضاف ان الهدف هو “تجفيف بسرعة كبيرة لبصمة إيران في المنطقة”.
الهجمات البحرية
ربطت الولايات المتحدة الأمريكية تجربة الصواريخ البالستية الإيرانية باستهداف الحوثيين للفرقاطة السعودية يوم (30يناير/كانون الثاني) واعتبرت واشنطن استهداف الفرقاطة السعودية اعتداء على الملاحة الدولية. تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أن استهداف الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر يخرج المسألة من كونه شأن داخلي يمني إلى شأن اقليمي ودولي ومن شأن ذلك يدفعها للمزيد من المواجهة المباشرة مع المسلحين الحوثيين.
الخبراء في وزارة الدفاع الأمريكية توصلوا بعد التحليل الدقيق للشريط المصور الذي يظهر الهجوم على الفرقاطة السعودية-حسب تلفزيون فوكس نيوز-، إلى استنتاج مفاده بأنَّ هذه العملية كانت تستهدف سفينة حربية أمريكية، أو أنَّها كانت تمثل “بروفة” لتجربة هجوم مثل ذلك الذي استهدف عام 2000 المدمرة “كون” التابعة لقوات الولايات المتحدة في ميناء عدن وأسفر عن مقتل 17 بحاراً أمريكياً. وهي نفس المدمرة الأمريكية التي أعيدت (الجمعة “3فبراير/شباط” إلى البحر الأحمر). وقال التحليل: “إن الشريط المصور- الذي بثه تلفزيون الحوثيين- يُسمع فيه صوت يصرخ صاحبه تعليقا على هذا الهجوم (الموت لأمريكيا، الموت لإسرائيل، الموت لليهود)”. وقال التلفزيون إن العملية نفذت في نفس المنطقة التي استهدفت البارجة الأمريكية (يو اس اس ميسون) قرب مضيق باب المندب الحيوي في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ووفقا لـ “ورانس برينان”، وهو أستاذ القانون البحري بجامعة فوردهام وقائد سلاح البحرية الأمريكي السابق، “فإن هذا الهجوم -استهداف الفرقاطة السعودية- سيؤثر على العمليات والقواعد البحرية للولايات المتحدة المشاركة في المياه القريبة”.
واضاف برينان في حديث لصحيفة بزينس انسايدر أن “الواجب الرئيس للولايات الدفاع عن النفس بإعادة النظر في قواعد الاشتباك لتوفير “فقاعة” كافية لمنع خطر وقوع هجوم انتحاري، لا سيما من قوارب الانتحاريين الحوثيين”.
الوسائل الأمريكية المتاحة
تملك الولايات المتحدة الأمريكية عدة وسائل لمواجهة الحوثيين (إيران) في اليمن ليس من بينها التدخل البري، فقد يجند المجتمع اليمني إلى صف الحوثيين، لكن الخشية المستمرة من أن ترامب أعطى تعليماته للبنتاغون بأن اليمن ليس محمياً بموجب قانون حماية المدنيين.
إذا- وإذا كبيرة- قررت الولايات المتحدة الأمريكية مواجهة الحوثيين في اليمن كبداية لعزلها إقليميا باستهداف أدواتها وأذرعها في منطقة الخليج والجزيرة العربية، فإنها ستواجه بشكل مباشر جماعة الحوثي المسلحة عبر طائرات بدون طيار وزيادة المعلومات الاستخباراتية مع حلفاء واشنطن في الخليج.
كشفت مجلة فورين بوليسي أن واشنطن تدرس -فعلياً- خطوات أكثر صرامة ضد الحوثيين بما في ذلك هجمات الطائرات بدون طيار ونشر مستشارين عسكريين لمساعدة القوات المحلية -التابعة للحكومة المعترف بها دولياً.
في نفس الوقت تقوم إدارة ترامب بالإعداد لمشروع قرار يقدم للكونجرس الأمريكي من أجل آليات جديدة وحاسمة لحظر تهريب السلاح الإيراني إلى الحوثيين في اليمن، ونشر المدمرة “كول” هو تحضير لهذا القرار فالمهمة الرئيسية للمدمرة الأمريكية ستقوم بتسيير دوريات لمراقبة السواحل اليمنية- إلى جانب التحالف العربي- ومرافقة السفن التجارية التي تمر عبر مضيق باب المندب حشية استهدافها من الحوثيين.
المخاطرة الأمريكية
من المُسلم به أن تعيّ الولايات المتحدة المخاطرة الكبيرة في اليمن، لتجعلها المعركة الأولى ضد إيران، فمساعدو الرئيس دونالد ترامب يرون اليمن وكأنه ساحة معركة مهمة للإشارة إلى عزم الإدارة الأمريكية مواجهة إيران وتأكيد على فشل الإدارة السابقة لمواجهة نفوذ طهران المتنامي في المنطقة. ولكن النهج المتشدد يحمل خطر اندلاع انتقام ايراني ضد الولايات المتحدة في العراق وسوريا، أو حتى الدخول في حرب شاملة مع إيران.
إيقاف العمل بقانون حماية المدنيين في اليمن سيضع الولايات المتحدة أمام مواجهة قاسية داخلياً وانضمام قبائل إلى صفوف الحوثيين، إضافة إلى أن تشويه صورة التحالف العربي الذي يعترف بين الحين والآخر بضربات خاطئة يسقط فيها مدنيين، كما سيؤجج الرأي العام الأمريكي والأوروبي بالرغم من كل الحملات التي تخوضها إدارة ترامب لتهيئة الرأي العام الداخلي والأوروبي بشأن مواجهة أوسع ضد إيران.
على واشنطن ألا تربط قتال “التنظيمات الإرهابية” بالحوثيين، وإيجاد عملية مترابطة لاستهدافهم عبر التحالف الدولي الذي يقاتل تنظيم الدولة والقاعدة في سوريا والعراق سيبدو انتقاماً من ضعف الدولة اليمنية، والأجدر أن تدعم القوات الحكومية لخوض حملات برية واسعة لاجتثاثهم من معاقلهم في المحافظات الجنوبية، بدلاً من تحوّل هدف استعادة الدولة اليمنية والشرعية إلى أزمة حقوق إنسان وقتال جماعات “إرهابية” وموالية لإيران.
على الحكومة اليمنية والتحالف العربي في حال بدأت عمليات عسكرية-بحرية وجوية أمريكية- ضد الحوثيين قبل أن تحسم المعركة والأزمة اليمنية يجب أن يكون محدوداً وفق استراتيجية عسكرية وسياسية وأهداف مُعلنة في البلاد، وأن يقتصر على حماية وتأمين المضيق الحيوي من الاستهداف الحوثي إلى جانب القوات الدولية الموجودة لمكافحة القرصنة، ومراحل متزامنة لاستعادة مؤسسات الدولة وترك بقية الجهود للجيش اليمني لقتال بقايا التنظيمات.
إمكانية الحل السياسي
وضوح الموقف الأمريكي في اليمن إلى جانب الحكومة اليمنية والتحالف العربي، يدفع الأزمة اليمنية نحو حل سياسي سريع، بدلاً من إمساك العصا من الوسط الذي قاده جون كيري وزير الخارجية الأمريكي السابق. فقد ترك الأزمة دون حلّ لأن الموقف الذي اعطته إدارة أوباما تجاه الحوثيين كان مبهماً لا يعيد الدولة ويوقف الحرب بشكلها النهائي بل يفخخ المستقبل نحو حروب جديدة، وهو ما شجع تحالف (الحوثي/صالح) على الاستمرار بالمراوغة.
سيكون من الجيد للحكومة اليمنية والتحالف العربي والمجتمع الدولي المهتم بالشأن اليمني استغلال الحالة الأمريكية الناشئة في الضغط على الحوثيين للوصول إلى حل سياسي ترعاه الأمم المتحدة يقضي بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط وحلّ التنظيم العسكري للجماعة المسلحة والانخراط في المجتمع اليمني كحزب سياسي يؤمن بالانتخابات والديمقراطية الناشئة في البلاد. والفرصة لا زالت أمام الحوثيين في اغتنامها لكنها مغلقة لأجل في تحقيق الاستقرار للبلاد ولأمن أفراد الجماعة أيضاً؛ فبدون ذلك ستصبح الأزمة اليمنية أكثر عمقاً وكلما زاد العمق كلما زادت التعقيدات للوصول إلى حل سلمي يمني بل ستتوسع لتشمل سياقات إقليمية ودولية.